قوله : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا } يعني القرآن «بَيِّنَاتٍ » لأنه متضمن للدلائل العقلية وبيان الأحكام . وقوله : «تَعْرِفُ » العامة على «تعرف » خطاباً مبنياً للفاعل ، «المُنْكَر » مفعول به . وعيسى بن عمر «يُعْرَف » بالياء من تحت مبنياً للمفعول ، «المنكر » مرفوع قائم مقام الفاعل{[31871]} ، والمنكر اسم مصدر بمعنى الإنكار .
وقوله : «الَّذِينَ كَفَرُوا » من إقامة الظاهر مقام المضمر للشهادة عليهم بذلك ، قال الكلبي : تَعْرِف في وجوههم الكراهية للقرآن . وقال ابن عباس : التجبر والترفع . وقال مقاتل : أنكروا أن يكون من الله{[31872]} .
قوله : «يَكَادُونَ يَسْطُونَ » هذه حال إما من الموصول ، وإن كان مضافاً إليه لأن المضاف جزؤه{[31873]} وإما من الوجوه لأنها يُعَبَّرُ بها عن أصحابها كقوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } [ عبس : 40 ] ثم قال : «أُولَئِكَ هُم »{[31874]} . و «يَسْطُونَ » ضُمن معنى يبطشون فتعدى تعديته{[31875]} ، وإلا فهو متعدّ ب ( على ) . يقال : سطا عليه ، وأصله القهر والغلبة{[31876]} ، وقيل : إظهار ما يهول للإخافة ، ولفلان سطوة أي تسلط وقهر . وقال الخليل{[31877]} والفراء{[31878]} والزجاج{[31879]} : السطو شدة البطش والمعنى يهمون بالبطش والوثوب تعظيماً لإنكار ما خوطبوا به{[31880]} . أي : يكادون يبطشون { بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا } أي بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من شدة الغيظ ، يقال : سطا عليه وسطا به إذا تناوله بالبطش والعنف{[31881]} ثم أمر رسوله بأن يقابلهم{[31882]} بالوعيد فقال : { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ من ذلكم } أي بشر لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تسمعون . أو من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلي عليكم{[31883]} . قوله : «النار » تقرأ بالحركات الثلاث ، فالرفع{[31884]} من وجهين :
أحدهما : الرفع على الابتداء والخبر الجملة من «وعَدَهَا اللَّهُ »{[31885]} ، والجملة لا محل لها فإنها مفسرة للشر المتقدم كأنه قيل : ما شر من ذلك ؟ ( فقيل : النار وعدها الله .
والثاني : أنها خبر مبتدأ مضمر كأنه قيل : ما شر من ذلك{[31886]} ) فقيل : النار أي : هو النار{[31887]} وحينئذ يجوز في «وَعَدَهَا اللَّهُ » الرفع على كونها خبراً بعد خبر{[31888]} ، وأجيز أن يكون بدلاً من النار . وفيه نظر من حيث إن المبدل منه مفرد ، وقد يجاب عنه بأن الجملة في تأويل مفرد{[31889]} ، ويكون بدل اشتمال ، كأنه قيل : النار وعدها الله الكفار .
وأجيز أن تكون مستأنفة لا محل لها{[31890]} . ولا يجوز أن تكون حالاً ، قال أبو البقاء لأنه ليس في الجملة ما يصلح أن يعمل في الحال {[31891]} .
وظاهر نقل أبي حيان عن الزمخشري أنه يجيز كونها حالاً فقال : وأجاز الزمخشري أن تكون «النَّارُ » مبتدأ و «وَعَدَها » خبر ، وأن تكون حالاً على الإعراب الأول{[31892]} انتهى .
والإعراب الأول هو كون «النار » خبر مبتدأ مضمر . والزمخشري لم يجعلها حالاً إلا إذا نصبت «النار » أو جررتها بإضمار قد {[31893]} . هذا نصه وإنما منع ذلك لما تقدم من قول أبي البقاء ، وهو عدم العامل . وأما النصب فهو قراءة زيد بن علي وابن أبي عبلة{[31894]} . وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها منصوبة بفعل مقدر يفسره الفعل الظاهر ، والمسألة من الاشتغال{[31895]} .
الثاني : قال الزمخشري : إنها منصوبة على الاختصاص{[31896]} .
الثالث : أن ينتصب بإضمار أعني{[31897]} ، وهو قريب مما قبله أو هو هو . وأما الجر فهو قراءة ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن نوح{[31898]} ، على البدل من «شَرّ »{[31899]} والضمير في «وَعَدَهَا » قال أبو حيان : الظاهر أنه هو المفعول الأول ، على أنه تعالى وعد النار بالكفار أن يطعمها إياهم ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ }{[31900]} [ ق : 30 ] ، ويجوز أن يكون الضمير هو المفعول الثاني و «الَّذِينَ كَفَرُوا » هو المفعول الأول ، كما قال : { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ والمنافقات والكفار نَارَ جَهَنَّمَ }{[31901]} {[31902]} [ التوبة : 68 ] . قال شهاب الدين : وينبغي أن يتعين هذا الثاني ، لأنه متى اجتمع بعد ما يتعدى إلى اثنين شيئان ليس ثانيهما عبارة عن الأول ، فالفاعل المعنوي رتبته التقديم وهو المفعول الأول ، ونعني بالفاعل المعنوي من يتأتى منه فعل ، فإذا قلت : وعدت زيداً ديناراً . فالدينار هو المفعول ، لأنه لا يتأتى منه فعل ، وهو نظير أعطيت زيداً درهماً . فزيد هو الفاعل ، لأنه آخذ للدرهم {[31903]} .
وقوله : «وَبِئْسَ المَصِير » المخصوص بالذم محذوف تقديره : وبئس المصير هي النار .
والمعنى : أن الذي ينالكم من النار أعظم مما ينالكم عند تلاوة هذه الآيات من الغضب والغم ، وهي النار وعدها الله الذين كفروا إذا ماتوا على كفرهم وبئس المصير هي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.