اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ ٱلۡقَالِينَ} (168)

قوله : «لِعَمَلِكُمْ » كقوله : { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين }{[37715]} [ الأعراف : 21 ] وقد تقدم . وقيل : «مِنَ القَالِينَ » صفة{[37716]} لخبر محذوف ، هذا الجار متعلق به ، أي : إني قال : { لِعَمَلِكُمْ مِنَ القالين }{[37717]} . المبغضين . والقِلَى : البغض الشديد{[37718]} ، كأنه بُغْضٌ يقلي الفؤاد والكبد{[37719]} . وقوله : «مِنَ{[37720]} القَالِينَ » أبلغ من أن يقول : إني لعملكم قالٍ ، كما تقول : فلان من العلماء ، أبلغ من قولك : فلان عالم{[37721]} .

ويجوز أن يراد : من الكاملين في قِلاكم{[37722]} . [ والقَالِي : المُبْغِضُ ، يقال : قَلاَهُ يَقْلِيهِ قِلًى ، وَيَقْلاَهُ ، وهي شاذة{[37723]} ، قال :

3920 - وَتَرْمِينَنِي بالطَّرْفِ أَيْ أَنْتَ مُذْنِبٌ *** وَتقْلِينَنِي لكِنَّ إيَّاكِ لاَ أقْلِي{[37724]}

وقال آخر :

3921 - والله مَا فَارَقْتكُمْ عَنْ قِلًى لكم *** وَلكنَّ مَا يُقْضَى فَسَوْفَ يَكُونُ{[37725]}

واسم المفعول فيه : «مَقْلِيّ » والأصل : «مَقْلُويٌّ » فأدغم ك «مَرْمِيٍّ » قال :

3922 - وَلَسْتُ بِمَقْليِّ الخِلاَلِ ولاَ قَالِي{[37726]} *** . . .

وغلط بعضهم فجعل ذلك من قولهم : قَلَى اللَّحْمَ ، أي شَوَاهُ ، فكأنه قلى كبده بالبغض ووجه الغلط أن هذا من ذوات الياء ، وذلك من ذوات الواو .

يقال : قَلَى اللحم يَقْلُوه قَلْواً ، فهو قال كَغَازٍ ، و «مَقْلُوّ »{[37727]} كما تقدم ]{[37728]} ،


[37715]:[الأعراف: 21]. وذكر هناك: يجوز في "لكما" أن يتعلق بما بعده على أن (ال) معرفة لا موصولة، وهي مذهب أبي عثمان المازني، أو على أنها الموصولة، ولكن تسومح في الظرف وعديله ما لا يتسامح في غيرها اتساعاً فيهما لدورانهما في الكلام، وهو رأي بعض البصريين، أو أن ذاك جائز مطلقاً، وهو رأي الكوفيين، أو أنه متعلق بمحذوف على البيان، أي أعني لكما أو تعلق بمحذوف مدلول عليه بصلة (ال)، أي: إني ناصح لكما، ومثل هذه الآية الكريمة "إني لعملكم من القالين"، وجعل ابن مالك ذلك مطرداً في مسألة (ال) الموصولة إذا كانت مجرورة بـ (من). انظر اللباب 4/20.
[37716]:صفة: سقط من ب.
[37717]:انظر التبيان 2/1000.
[37718]:الشديد: سقط من ب.
[37719]:انظر الكشاف 3/124، الفخر الرازي 24/161.
[37720]:في ب: مثل. وهو تحريف.
[37721]:قال الزمخشري: ( لأنك تشهد له بكونه معدوداً في زمرتهم ومعرفة مساهمته لهم في العلم) الكشاف 3/124.
[37722]:انظر الكشاف 3/124، الفخر الرازي 24/161.
[37723]:انظر اللسان (قلا) وفيه: (ويقلاه لغة طيىء).
[37724]:البيت من بحر الطويل، مجهول القائل، وهو في ابن يعيش 8/140، المغني 1/76، 2/400، 413، الهمع 2/71، شرح شواهد المغني 1/234، 2/828، الخزانة 11/225، الدرر 2/87. ترمينني: تشيرين إليَّ. الطرف: البصر. تقلينني، يقال: قلاه يقليه قلى. ويقلاه لغة طيىء.
[37725]:البيت من بحر الطويل. قاله الأفوه الأودي، وليس في ديوانه، وهو في المقاصد النحوية 2/315، التصريح 1/225، الهمع 1/110، الأشموني 1/225، 284، الدرر 1/80. والشاهد فيه قوله: "عن قلًى" أي: عن بغض.
[37726]:عجز بيت من بحر الطويل، قال امرؤ القيس، وصدره: صرفت الهوى عنهنَّ من خشية الرَّدى وهو في ديوانه (35)، القرطبي 13/133، البحر المحيط 7/36. والشاهد فيه قوله: (مقليّ) فإنه اسم مفعول من (قلى) والأصل: مقلوي. قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسر ما قبل الياء للمناسبة، لأنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون تقلب الواو ياء، وتدغم الياء في الياء.
[37727]:قال أبو حيان: ( ولا يكون (قلى) بمعنى أبغض وقلا من الطبخ والشيِّ من مادة واحدة لاختلاف التركيب، فمادة (قلا) من الشيِّ من ذوات الواو، تقول: قلوت اللحم فهو مقلو، ومادة (قلى) من البغض من ذوات الياء، قليت الرجل فهو مقليّ قال الشاعر: وليست بمقليِّ الخلال ولا قال) البحر المحيط 7/36.
[37728]:ما بين القوسين سقط من ب.