قوله : { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل } ، قيل : كانوا يفعلون{[41351]} الفاحشة بمن يمرّ بهم من المسافرين فترك الناس الممرّ بهم ، وقيل : يقطعون سبيل النسل بإتيان الرجال{[41352]} ، كقوله : { أتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِن دُونِ النساء }{[41353]} ، { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر } قال أبو العباس المَقَّرِيّ{[41354]} . ورد لفظ النادي في القرآن بإزاء معنيين :
الأول : النادي مجلس القوم المحدد{[41355]} فيه لهذه الآية .
والثاني : بمعنى الناصر ، كقوله تعالى : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } [ العلق : 17 ] ، أي ناصره يعني أبا جهل .
واعلم أن النادي ( والنَّديّ ){[41356]} والمُنْتَدَى مجلس القوم ومُتَحَدَّثُهُمْ ، روى أبو صالح{[41357]} مولى أُمِّ هانئ بنت{[41358]} أبي طالب «قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : { وتأتون في ناديكم المنكر } قلت : ما المنكر الذي كانوا يأتون ؟ قال : كانوا يخذُفُونَ أهلَ الطرق ، ويسخرون منهم{[41359]} .
وروي أنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصًى ، فإذا مرّ بهم عابر{[41360]} سبيل حذفُوه فأيهم أصابه كان أولى به . وقيل : إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثةَ دراهم ، ولهم قاضي بذلك ، وقال القاسم بن محمد{[41361]} : كانوا يتضارطون في مجالسهم{[41362]} .
وقال مجاهد : كان يجامع بعضهم بعضاً في مجالسهم{[41363]} .
وعن عبد الله بن سلام : يَبْزُقُ بعضُهم على بَعْض{[41364]} . وعن مكحول{[41365]} قال : من أخلاق قوم لوط مضغ العِلْكِ{[41366]} ، وتطريق الأصابع بالحِنَّاء ، وحل الإزار ، والصَّفيرُ ، والخَذْفُ{[41367]} ، واللُّوطِيَّةُ .
( قوله ){[41368]} : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } ، لما أنكر عليهم «لوط » ما يأتون به من القبائح إلا أَنْ قَالُوا له استهزاء { ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } أن العذاب نازل بنا فعند ذلك قال لوط : { رَبِّ انصرني عَلَى القوم المفسدين } بتحقيق قولي في العذاب .
فإن قيلَ : قال قوم «إبراهيم » اقتلوه أو حرّقوه ، وقال قوم لوط { ائتنا بعذاب الله } وما هددوه ( مع ){[41369]} أن «إبْرَاهِيمَ » كان أعظم من «لوط » فإن لوطاً كان من قومه .
فالجوابُ : أن إبراهيم كان يقدح في دينهم ويشتم آلهتهم ويعدد صفات نقصهم بقوله : «لا تُبْصِرُ ، ولا تَسْمَع ولا تَنْفَعُ ، ولا تُغْنِي » والقدح في الدين صعب ، فجعلوا جزاءه القتل والتحريق{[41370]} ، ولوط كان ينكر عليهم فعلهم ، وينبههم إلى ارتكاب التحريم وهم ما كانوا يقولون إن هذا واجب من الدين فلم يصعب عليهم مثل ما صعب على قوم إبراهيم كلام إبراهيم وقالوا{[41371]} : إنك تقول : إن هذا حرام والله يعذب عليه ونحن نقول : لا نعذب{[41372]} فإن كنت صادقاً فأتِنَا بالعذَابِ .
فإن قيل : إن الله{[41373]} قال في موضع آخر : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا أخرجوا آلَ لُوطٍ مِن قَرْيَتِكُمْ }{[41374]} .
وقال هنا : { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا } فكيف الجمع ؟ .
فالجوابُ : أن لوطاً كان ثابتاً{[41375]} على الإرشاد مكرراً على النهي والوعيد فقالوا ( أولاً ){[41376]} ائتنا ( ثم ){[41377]} لما كثر منه ولم يسكت عنهم قالوا : «أخرجوا » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.