قوله تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } العامة على نصبه والحسن وسالم الأفْطَس{[41267]} برفعه وتقدم تحقيق هذا . هذه الآيات في تذكير أهل إبراهيم وتحذيرهم وهي معترضة في قصة «إبراهيم » صلوات الله عليه ، ثم عاد إلى قصة «إبراهيم » فقال تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أَوْ حَرِّقُوهُ } . لما أقام إبراهيم صلوات{[41268]} الله عليه البرهان على الأصول الثلاثة لم يجيبوه إلا بقولهم { اقتلوه أَوْ حَرِّقُوهُ } فإن قيل : كيف سمى قولهم : اقتلوه جواباً مع أنه ليس بجواب ؟ .
أحدهما : أنه خرج مَخْرَجَ كلام{[41269]} متكبر ، كما يقول المَلِكُ لرسول خَصْمِهِ : جوابكُمُ السيفُ ، مع أن السيفَ ليس بجوابِهِ وإنما معناه لا أقابل بالجواب وإنما أقابل{[41270]} بالسيف .
وثانيهما : أن الله تعالى أراد بيان ( ضلالتهم ){[41271]} وأنهم ذكروا ما ليس بجواب في معرض الجواب فبيّن أنهم لم يكن لهم جوابٌ أصلا ، وذلك أن من لا يجيبُ غيره ويسكت لا يعلم ( أنه لا يقدر{[41272]} أم لا ) لجواز{[41273]} أن يكون سكوته لعدم الالتفات ، وأما إذا أجاب بجوابٍ فاسد علم أنه قصد الجواب وما قدر عليه .
فصل{[41274]} :
«أو » تذكر لأمرين الثاني منهما لا ينفك عن الأول ، كما يقال : «زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ » ، ويقال : هذا إنسان أو حيوان ، يعني إن لم يكن إنساناً فهو حيوان ، ولا يصح أن يقال : «هذا حيوان أو إنسان » إذ يفهم منه أن يقول : هذا حيوان ، فإن لم يكن حيواناً فهو إنسان ، وهذا فاسد ، وإذا كان كذلك فالتحريق مشتمل{[41275]} على القتل ، فقوله : «اقتلوه أو حرقوه » كقولك : هذا إنسان أو حيوان .
فالجواب عن{[41276]} هذا من وَجْهَيْنِ :
أحَدهمَا : أن الاستعمال على خلاف ما ذكر شائع كقولك : أعطه ديناراً أو دينَارَيْنِ .
قال تعالى : { قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } [ المزمل : 2 - 4 ] فكذا{[41277]} هاهنا قال : اقتلوه أو زيدوا على القتل لأن التحريق قتلٌ وزيادة .
الثاني : سلمنا ما ذكرتم ، والأمر هنا كذلك لأن التحريق فعل مفض{[41278]} إلى القتل ، وقد يتخلف عنه القتل فإن من ألقي في النار حتى احترق جلده بأسره وأخرج منها حياً يصح{[41279]} أن يقال : احترق فلانٌ ، وأحرق وما مات .
فكذلك هاهنا قال : اقتلوه ولا تعجلوا قتله وعَذَّبُوه بالنار ، فإن ترك مقالته فخلوا سبيله وإن أصرَّ فاتركوه في النار .
قوله تعالى : { فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار } ، قيل : بردت النار وقيل : خلق في إبراهيم صلوات الله ( وسلامه ){[41280]} عليه كيفية اسْتَبْرَدَتِ النارَ . وقيل : ترك إبراهيم ( على ){[41281]} ما كان عليه ( والنار على{[41282]} ما كانت عليه ) وَمنع أذى النار عنه ، والْكُلّ ممكنٌ والله قادر عليه .
قوله تعالى : { إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فإن قيل : ما الحكمة في قوله هناك «آية للعالمين » في إنجاء نوح صلوات الله ( وسلامه ){[41283]} عليه وأصحاب السفينة جعلناها آية وقال هاهنا آيات بالجمع ، فما الحكمة ؟ .
فالجواب : إن إنجاء السفينة شيء يتسع له{[41284]} العقول ، فلم يكن فيه من الآية إلا إعلام الله تعالى إياه بالإنجاء وقت الحاجة بسبب أن الله تعالى صان{[41285]} السفينة عن المهلكات كالرياح ، وأما الإنجاء من النار فعجيب فقال فيه لآيات فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى هنا : «آيةٌ لِلْعَالَمِينَ » وقال هنا «لقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » فخص الآيات بالمؤمنين ؟ .
فالجواب : أن السفينة بقيت أعواماً حتى مرّ عليها الناس ورأوها فحصل العلم بها لكل أحد ، وأما تبريد النار فلم يبق فلم يظهر ( لمن بعده ) إلا بطريق الإيمان والتصديق ، وفيه لطيفة ( وهو ){[41286]} أن الله تعالى لما بَرَّد النار على إبراهيم بسبب اهتدائه في نفسه و هدايته لأبناء جنسه ، وقد قال الله تعالى للمؤمنين بأن لهم أسوة في إبراهيم ، فحصل للمؤمنين بشارة بأن الله تبارك وتعالى يبرد عنه النار يوم القيامة ، فقال : { إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، فإن قيل : لم قال هناك : «جَعَلْنَاها » ، ( وقال هنا جَعَلْنَاهُ ){[41287]} ؟ .
فالجواب : لأن السفينة ما صارت آية في نفسها ، ولولا خلق الله الطوفان لبقي فعل نوح ( سفهاً ){[41288]} فالله تعالى جعل السفينة بعد وجودها آية ، وأما تبريد النار فهو في نفسه ( آية ){[41289]} إذا وجدت لا تحتاج إلى شيء آخر كخلق الطوفان حتى يصير آيةً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.