اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَجۡرَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (27)

قوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النبوة } ، قِيلَ : إن الله لم يبعث نبياً بعد «إبراهيم » إلا من نَسْلِهِ ، { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدنيا } وهو الثناء الحسن ، وكل الأديان يقولون به ، وقال السدي : هو الولد الصالح ، وقيل : إنه رأى{[41334]} مكانه في الجنة { وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين } أي في زمرة الصالحين قال ابن عباس : «مثل آدم ، ونوح » وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الله تعالى بدّل جميع أحوال إبراهيم في الدنيا بأضدادها لما عذبه قومه بالنار كان وحيداً فريداً ، فبدل الله وحدته بالكثرة حتى ملأ الدنيا من ذريته ، ولما كانت أقاربه القريبة ضالين مضلين من جملتهم«آزر » بدل الله أقاربه بأقارب مهتدين هادين ، وهم ذريته الذين جعل فيهم النبوة والكتاب ، وكان أولاً لا جاه له ، ولا مال ، وهم غاية اللذة في الدنيا آتاه الله أجره في المال والجاه وكثر ماله حتى كان له من المواشي ما علم الله عدَدَهُ حتى قيل : إنه كان له اثنا عشر ألف كلبٍ حارس بأطواق ذهب وأما الجاه فصار ( بحيث تقرن ){[41335]} الصلاة عليه بالصلاة على سائر الأنبياء إلى يوم القيامة ، وصار معروفاً وشيخ المرسلين بعد أن كان خاملاً حتى قال قائلهم : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }{[41336]} ، وهذا الكلام لا يقال إلا في مخمول من الناس .

فإن قيل : إنَّ إسماعيلَ كان من أولاده الصالحين ( وكان قد ){[41337]} سلم لأمر الله بالذبح ، وانْقَادَ لحكم الله ولم يذكر .

فالجواب : هو مذكور في قوله : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النبوة والكتاب } ( و ){[41338]} لكن لم يصرح باسْمِهِ ؛ لأنه كان بين فضله معه بهبته الأولاد والأحفاد ، فذكر من الأولاد واحداً وهو الأكبر ، ومن الأحفاد واحداً كما يقول القائل : إن السلطان في خدمته الملوك والأمراء ، والملك الفلاني ، والأمير الفلاني ، ولا يعدد الكل لأنه ذكر ذلك الواحد لبيان الجنس لا لخصوصه ، ولولا ذكر غيره لفهم منه التعديد ، واستيعاب الكل فيُظَنّ أنه ليس معه غير المذكور .

فإن قيل : إن الله تعالى لما جعل في ذريته النبوة أجابه لدعائه ، والوالد يجب أن يسوي بين ولده فكيف صارت النبوة في ولد «إسحاق » أكثر من النبوة في أولاد إسماعيل ؟ .

فالجواب : أن الله تعالى قسم الزمان من وقت إبراهيم إلى ( يوم ){[41339]} القيامة قسمين والناس أجمعين ، فالقِسْم الأول من الزمان بعث الله تعالى ( فيه ){[41340]} أنبياء فيهم فضائلُ جمّة ، وجاءوا تترى واحداً بعد واحد ، ومجتمعين في عصر واحد كلهم من ورثة إسحاق عليه السلام{[41341]} ، ( ثم في القسم الثاني من الزمان أخرج من ذرية ولده إسماعيل واحداً اجتمع فيه ما كان فيهم وأرسله إلى كافة الخلق وهو محمد عليه السلام ){[41342]} وجعله خاتم النبيين ، وقد دام الخلق على دين إسماعيل أكثر من أربعة آلاف سنة ، ولا{[41343]} يَبْعُدُ أن يبقى الخلق على دين ذرية إسماعيل مثل ذلك المقدار .


[41334]:الكشاف 3/203، والبحر المحيط 7/148.
[41335]:ساقط من ب.
[41336]:الأنبياء: 60.
[41337]:ساقط من أ.
[41338]:ساقط من ب.
[41339]:ساقط من ب.
[41340]:ساقط من ب.
[41341]:انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي 25/55، 56.
[41342]:ما بين المعقوفين ساقط من ب.
[41343]:في ب: ولم يبعد "بلم الجازمة".