قوله تعالى : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ } قرأ البزي : بتشديد تاء " تَمَنَّوْنَ{[5997]} " ، ولا يمكن ذلك إلا في الوصل ، وقاعدته : أنه يصل ميم الجمع بواو ، وقد تقدم تحرير هذا عند قوله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } [ البقرة : 267 ] .
قوله : " مِن قَبْلِ " الجمهور على كسر اللام ؛ لأنها مُعْربة ؛ لإضافتها إلى " أنْ " وصلتها .
وقرأ مجاهد وابنُ جبير : { مِنْ قَبْلُ } بضم اللام{[5998]} ، وقطعها عن الإضافة ، كقوله تعالى : { لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [ الروم : 4 ] وعلى هذا فَ " أنْ " وَصِلَتُها بدل اشتمال من " الْمَوْتَ " في محل نصب ، أي : تَمَنَّوْنَ لقاء الموت ، كقولك : رَهِبْتُ العَدُوَّ لقاءَه ، والضمير في " تَلْقَوْهُ " فيه وجهان :
أظهرهما : عوده على " الْمَوْتَ " .
والثاني : عوده على العدو ، وإن لم يجر له ذِكْر - لدلالة الحال عليه .
وقرأ الزُّهَرِيُّ ، والنخعيّ{[5999]} " تُلاَقُوه " ، ومعناه معنى " تَلْقَوْه " ؛ لأن " لقي " يستدعي أن يكون بين اثنين - بمادته - وإن لم يكن على المفاعلة .
قوله : { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } الظاهر أن الرؤية بصرية ، فيكتفى بمفعول واحد .
وجوَّزوا أن تكون علمية ، فتحتاج إلى مفعولٍ ثانٍ ، هو محذوف ، أي : فقد علمتموه حاضراً - أي : الموت - .
إلا أن حَذْف أحد المفعولين في باب " ظن " ليس بالسَّهْل ، حتى إن بعضهم يَخُصُّه بالضرورة ، كقول عنترة : [ الكامل ]
وَلَقَدْ نَزَلْتِ ، فَلاَ تَظُنِّي غَيْرَهُ- *** -مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحَبِّ الْمُكْرَمِ{[6000]}
أي : فلا تظني غيره واقعاً مني .
قوله : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } يجوز أن تكون جملة حالية - وهي حال مؤكِّدة - رفعت ما تحتمله الرؤية من المجاز ، أو الاشتراك بينها وبين رؤية القلب ، ويجوز أن تكون مستأنفة ، بمعنى : وأنتم تنظرون في فعلكم - الآن - بعد انقضاء الحرب ، هل وَفَّيْتُمْ ، أو خالفتم ؟
وقال ابنُ الأنْبَارِي : " رَأيْتُمُوهُ " ، أي : قابلتموه { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } بعيونكم ، ولهذه العلة ذكر النظر بعد الرؤية حيث اختلف معناهما ؛ لأن الأول بمعنى : المقابلة والمواجهة ، والثاني بمعنى : رؤية العين .
وهذا - أعني : إطلاق الرؤية على المقابلة والمواجهة - غير معروف عند أهل اللسان ، وعلى تقدير صحته ، فتكون الجملة من قوله : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } جملة حالية مبيِّنة - لا مؤكِّدة - لأنها أفادت معنًى زائداً على معنى عاملها .
ويجوز أن يقدَّر لِ " تَنْظُرُونَ " مفعولاً ، ويجوز أن لا يُقَدَّر ؛ إذ المعنى : وأنتم من أهل النظر .
قال المفسرون : إنَّ قوماً من المسلمين تَمَنَّوا يوماً كيوم بدر ؛ ليقاتلوا ، وليستشهدوا ، فأراهم الله يومَ أُحُد .
وقوله : { تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ } أي : سبب الموت - وهو الجهاد - { مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } يعني : أسبابه ، وذكر النظر بعد الرؤية ؛ تأكيداً - كما قدمناه - .
وقيل : لأن الرؤية قد تكون بمعنى : العلم ، فقال : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } ليعلم أن المراد بالرؤية : هي البصرية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.