اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (67)

قوله تعالى : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ . . . } لما استدل على إثبات الإليهة بدليل الآفاق وذكر منها الليل والنهار والأرض والسماء ، ثم ذكر الدليل على إثبات الإله القادر بخلق الأنفس وهو نوعان : أحدهما : حسن العودة ورزق الطيّبات ؛ ذكر النوع الثاني وهو : تكوين البدن من ابتداء كونه نُطفةً وجَنيناً إلى آخر الشَّيْخُوخَة والموت فقال : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } ، قيل : المراد آدم{[48380]} . قال ابن الخطيب : وعندي لا حاجة إلى ذلك لأن كل إنسان فهو مخلوق من المَنِي ومن دَم الطَّمْثِ والمَنِي مخلوق من دم فالإنسان مخلوق من الدّم ، والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية كلها منتهية إلى النبات ولا نبات إنما يكون من التراب والماء فثبت أن كل إنسان مُتَكَوِّن من التراب ، ثم إن ذلك التراب يصير نطفةً ثم علقةً ، ثم بعد كونه علقة مراتب إلى أن ينفصل من بطن الأم . والله تعالى ترك ذكرها ههنا لأنه ذكرها في آيات أُخَر ، قال : { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي أطفالاً { ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ }{[48381]} . ( قال الزمخشري{[48382]} : قوله : لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) متعلق بفعل محذوف ، تقديره ثم يبعثُكم لِتبلغُوا أَشُدَّكُمْ{[48383]} ، { ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ } أي : أن يصير شَيْخاً ، أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سَقْطاً ثم قال : { ولتبلغوا أَجَلاً مُّسَمًّى } أي ولتبغلوا جميعاً { أَجَلاً مُّسَمًّى } وقتاً محدوداً لا تُجَاوِزُونَه وهو وقت الموت . وقيل : يوم القيامة ، { وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته وتستدلوا بهذه الأحوال العجيبة على وحدانية الله تعالى{[48384]} .


[48380]:ذكره الرازي في تفسيره 27/85.
[48381]:ذكره في تفسيره المرجع السابق.
[48382]:ما بين القوسين سقط من ب.
[48383]:قال: "لتبلغوا أشدكم، متعلق بفعل محذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك لتكونوا. وأما "ولتبلغوا أجلا مسمى" فمعناه ونفعل ذلك لتبلغوا أجلا مسمى وهو وقت الموت" الكشاف 3/436.
[48384]:السابق وانظر البغوي 6/102.