اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (77)

قوله تعالى : { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } لما زَيَّفَ طريقة المجادلين في آيات الله تعالى أمر في هذه الآية رسوله بأن يصبرَ على أذاهم بسبب جدالهم ، ثم قال : { إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } . والمراد ما وعد الرسول نُصْرته ، ومن إنزال العذاب على أعدائه .

قوله : { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ } قال الزمخشري : أصله : فَإِن نُرِكَ و «ما » مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، ولذلك ألحقت النون بالفعل ، ألا ترَاك تقول : «إنْ تُكرِمَنِّي أكْرِمْكَ ، ولكن إِمَّا تُكْرِمَنِّي أُكْرِمْكَ »{[48440]} قال أبو حيان : «وما ذكره{[48441]} من تَلاَزُمِ النون ، ما الزائدة ، ليس مذهب سيبويه ، إنما هو مذهب المبرد{[48442]} ، والزجاج{[48443]} .

ونص سيبويه{[48444]} على التخيير ، وقد تقدمت هذه القواعدُ مستوفاةً .

قوله : { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } ليس جواباً للشرط الأول ، بل جواباً لما عطف عليه .

وجواب الأول محذوف . ( قال الزمخشري{[48445]} : «فَإِلَيْنَا » متعلق بقوله «نَتَوفَّينَّكَ » وجواب نرينك محذوف ) تقديره : فإن نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب والقتل يوم بدر ، فذاك ؛ وإنْ «نَتَوَفَّيَنَّكَ » قبل يوم بدر «فَإِلَيْنَا يُرجَعُونَ » فننتقم منهم أشدُّ الانتقام{[48446]} . وقد تقدم مثلُ هذا في سورة يونس{[48447]} . وبحثُ أبي حَيَّانَ مَعَهُ .

وقال أبو حيان هَهُنَا : وقال بعضهم{[48448]} : جواب «إما نُرِيَنَّكَ » محذوف ؛ لدلالة المعنى عليه أي فتقرّ عينك ، ولا يصح أن يكون » فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ «جواباً للمعطوف عليه والمعطوف ، لأن تركيبَ { فإما نُرينك بعض الذي نعدهم في حياتك فإلينا يرجعون } ليس بظاهر ، وهو يصحُّ أن يكون جواب { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } أي فإِلينا يرجعون فننتقم منهم ونعذبهم ، لكونهم لم يَتَّبِعُوكَ{[48449]} .

ونظير هذه الآية قوله تعالى : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } [ الزخرف : 41 و42 ] . إلا أنه هنا صرح بجواب الشرط ، قال شهاب الدين : وَهَذَا{[48450]} بعَيْنِهِ هو قولن الزمخشري{[48451]} . وقرأ السُّلَمِيُّ ويَعْقُوبُ : يَرْجِعُونَ بفتح ياء الغيبة مبنياً للفاعل ، وابْنُ مِصْرِفٍ ويعقوبُ أيضاً بفتح الخطاب{[48452]} .


[48440]:الكشاف 3/437.
[48441]:بالمعنى في البحر المحيط 7/477.
[48442]:لم أجد في المقتضب ما يخالف فيه المبرد سيبويه في هذه المسألة، وكما أفهم بذلك محقق هذا الكتاب وقد قال في الكامل: "فتقول: إن تأتني آتك، وإما تأتني آتك.." الكامل 1/289، وانظر المقتضب أيضا 3/13، 14، 19.
[48443]:ذكره السيوطي في الهمع 2/78، وقد قال الزجاج في معاني القرآن 1/86: "وإعراب إما في هذا الموضع إعراب حرف الشرط والجزاء، إلا أن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة، أو الخفيفة لزمتها ما". معاني القرآن له 861.
[48444]:قال في الكتاب: "ومن مواضعها ـ أي النون ـ حرف الجزاء، إذا وقعت بينها وبين الفعل "ما" للتوكيد وذلك لأنهم شبهوا "ما" باالام التي في لتفعلن لما وقع التوكيد قبل الفعل ألزموا النون آخره كما ألزموا هذه اللام وإن شئت لم تفخم النون، كما أنك إن شئت لم تجئ بها" الكتاب 3/514، 515.
[48445]:ما بين القوسين سقط من أ الأصل.
[48446]:بالمعنى من الكشاف 3/438 قال: قلت: فإلينا يرجعون متعلق بـ "نتوفينك" وجزاء "نرينك" محذوف...الخ.
[48447]:يقصد الآية 46 {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك}.
[48448]:لعله الطبري فما في جامع البيان موافق لما نقله في البحر. انظر البحر 7/477 وجامع البيان للإمام ابن جرير الطبري 25/56.
[48449]:البحر المحيط السابق.
[48450]:الدر المصون 4/712.
[48451]:وأبو حيان قد نقل هذا القول أيضا في بحره السابق وانظر الكشاف 3/438.
[48452]:لم أجد هاتين القراءتين في المتواتر، فقد نقل الأولى صاحب الإتحاف 380 فهي من الأربع فوق العشر ونقل الاثنتين أبو حيان في البحر 7/477.