قوله : { عِندَهُمْ مِّنَ العلم } فيه أوجه :
أحدهما : أنه تهكم بهم ، والمعنى ليْسَ عندهم عِلْم{[48476]} .
الثاني : أن ذلك جاء على زَعْمِهِمْ أنَّ عندهم علماً ينتفعون{[48477]} به .
الثالث : أن «مِنْ » بمعنى بدل أي بما عندهم من الدنيا بدل العلم .
الرابع : أن يكون الضمير للرسل ، أي فَرِحَ الرسل بما عندهم من العلم .
الخامس : أن الأول للكفار ، وأما الثاني لِلرسل ، ومعناه فرح الكفار فَرَحَ ضَحِكٍ واستهزاءٍ بما عند الرسل من العلم ؛ إذ لم يأخذوه بقبول ويمتثلوا أوامر الوحي ونواهيه{[48478]} . وقال الزمخشري : وَمِنْهَا أي من والوجوه أن يوضع قوله : { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم } مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والمسرة مع تهكم بفَرْطِ خُلُوِّهم من العلم{[48479]} وجهلهم .
قال أبو حيان : ولا يعبر بالجملة الظاهر كونها مثبتة عن الجملة المنفية إلا في قليل من الكلام ، نحو : «شَرٌّ أهَرَّ ذا ناب » على خلاف فيه ، ولما آل أمره إلى الإثبات المحصور جاز . وأما في الآية فينبغي أن لا يحمل على القليل لأن في ذلك تخليطاً لمعاني الجمل المتباينة{[48480]} .
قال المفسرون{[48481]} : الضمير في قوله : «فَرِحُوا » يحتمل أن يكون عائداً على الكفار وأن يكون عائداً إلى الرسل فإن عاد إلى الكفار ، فذلك العلم الذي فرحوا به قيل : هو الأشياء التي كانوا يسمونها علماً ، وهي الشبهات المحكيّة عنهم في القرآن ، كقولهم : { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر } [ الجاثية : 24 ] وقولهم : { لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [ الأنعام : 184 ] وقولهم : { مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ } [ يس : 78 ] { وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [ الكهف : 36 ] وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء ، كما قال { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ المؤمنون : 53 ] و [ الروم : 32 ] وقيل : المراد{[48482]} علوم الفلاسفة فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغَّروا علوم الأنبياء عن علومهم كما روي عن سقراط أن سمع بمجيء أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقيل له : لو هاجرت إليه فقال : نحن قوم مهتدون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا . وقيل : المراد علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها{[48483]} ، كقوله تعالى : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غَافِلُونَ } [ الروم : 7 ] { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ العلم } [ النجم : 30 ] فلما جاءت الرسل بعلوم الديانات ومعرفة الله تعالى ، ومعرفة المعاد وتطهير النفس من الرذائل لم يلتفتوا إليها واستهزأوا بها ، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفائدة من علمهم ففرحوا به .
وإن عاد الضمير إلى الأنبياء ففيه وجهان :
الأول : أن يفرح الرُّسُلُ إِذَا رَأوا من قومهم جهلاً كاملاً وإعراضاً عن الحقِّ وعلموا سوء غَفْلَتِهِمْ وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم وإعراضهم يفرحوا بما أوتوا من العلم ، ويشركوا الله عليه «وَحَاقَ » بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم .
الثاني : أن المراد أن الرسل فرحوا بما عندهم من العلم فَرَحَ ضَحِكٍ{[48484]} واستهزاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.