ثم قال تعالى : { بينهما برزخ لا يبغيان } إشارة إلى ما ذكرنا من منعه إياهما من الجريان على عادتهما ، والبرزخ الحاجز وهو قدرة الله تعالى في البعض وبقدرة الله في الباقي ، فإن البحرين قد يكون بينهما حاجز أرضي محسوس وقد لا يكون ، وقوله : { لا يبغيان } فيه وجهان ( أحدهما ) من البغي أي لا يظلم أحدهما على الآخر بخلاف قول الطبيعي حيث يقول : الماءآن كلاهما جزء واحد ، فقال : هما لا { يبغيان } ذلك و( ثانيهما ) : أن يقال : لا يبغيان من البغي بمعنى الطلب أي لا يطلبان شيئا ، وعلى هذا ففيه وجه آخر ، وهو أن يقال : إن يبغيان لا مفعول له معين ، بل هو بيان أنهما لا يبغيان في ذاتهما ولا يطلبان شيئا أصلا ، بخلاف ما يقول الطبيعي : أنه يطلب الحركة والسكون في موضع عن موضع .
مرج البحرين : أرسل البحرين العذب والملح .
يلتقيان : يتجاوران وتتماس سطوحهما ، لا فصل بينهما في رأى العين .
لا يبغيان : لا يبغي أحدهما على الآخر ، بالممازجة وإبطال خاصته .
19 ، 20 ، 21- { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ : أرسلهما .
والمعنى : أرسل الله تعالى البحرين – الملح والعذب – وجعلهما يلتقيان في أطرافهما ، كما يلتقي ماء النيل بالبحر الأبيض المتوسط عند دمياط ورشيد ، وهذا الالتقاء والتمازج في الأطراف لم يجعل أحدهما يبغي على الآخر ، فيفقده خاصته ، لأنه تعالى جعل بينهما حاجزا يمنع التمازج الكلّي بينهما .
قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا } . ( الفرقان : 53 ) .
أما التقاؤهما فيكون عند مصابِّ الأنهار في البحار ، وأمَّا البرزخ الذي بينهما فهو القدرة الإلهية التي منعت أن يبغي الماء الملح على العذب فيحوله إلى ملح ، أو أن يبغي العذب على الملح فيحوله إلى عذب ، فبقي كلاهما يؤدي وظيفته التي خُلق لها .
والمراد بالبحرين : الملح والحلو ، فالملح هذه البحار ، والحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس ، وجعل الله بينهما برزخا ، وهو الحاجز من الأرض ، لئلا يبغي هذا على هذا ، فيفسد كل واحد منهما الآخر .
فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .
بأيّ نعم الله تعالى المذكورة في تيسير الماء العذب من الأنهار ، وتيسير الماء الملح من البحار ، ولكل منهما منافع متعددة لكم ، بأيها تكذبان يا معشر الجن والإنس ؟ ونقول نحن : لا بشيء من نعمك ربنا نكذب ، فلك الحمد .
{ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } أي حاجز من قدرة الله تعالى ، أو من أجرام الأرض كما قال قتادة { لاَّ يَبْغِيَانِ } أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية بالكلية بناءاً على الوجه الأول فيما سبق ، أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما بناءاً على الوجه الثاني ، وروى هذا عن قتادة أيضاً ، وفي معناه ماأخرجه عبد الرزاق . وابن المنذر عن الحسن { لاَّ يَبْغِيَانِ } عليكم فيغرقانكم ، وقيل : المعنى لا يطلبان حالاً غير الحال التي خلقا عليها وسخرا لها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.