ثم قال تعالى : { خلق الإنسان من صلصال كالفخار } وفي الصلصال وجهان ( أحدهما ) هو بمعنى المسنون من صل اللحم إذا أنتن ، ويكون الصلصال حينئذ من الصلول ( وثانيهما ) من الصليل يقال : صل الحديد صليلا إذا حدث منه صوت ، وعلى هذا فهو الطين اليابس الذي يقع بعضه على بعض فيحدث فيما بينهما صوت ، إذ هو الطين اللازب الحر الذي إذا التزق بالشيء ثم انفصل عنه دفعة سمع منه عند الانفصال صوت ، فإن قيل : الإنسان إذا خلق من صلصال كيف ورد في القرآن أنه خلق من التراب وورد أنه خلق من الطين ومن حمأ ومن ماء مهين إلى غير ذلك نقول : أما قوله { من تراب } تارة ، و { من ماء مهين } أخرى ، فذلك باعتبار شخصين آدم خلق من الصلصال ومن حمأ وأولاده خلقوا من ماء مهين ، ولولا خلق آدم لما خلق أولاده ، ويجوز أن يقال : زيد خلق من حمأ بمعنى أن أصله الذي هو جده خلق منه ، وأما قوله : { من طين لازب } { من حمإ } وغير ذلك فهو إشارة إلى أن آدم عليه السلام خلق أولا من التراب ، ثم صار طينا ثم حمأ مسنونا ثم لازبا ، فكأنه خلق من هذا ومن ذاك ، ومن ذلك ، والفخار الطين المطبوخ بالنار وهو الخزف مستعمل على أصل الاشتقاق ، وهو مبالغة الفاخر كالعلام في العالم ، وذلك أن التراب الذي من شأنه التفتت إذا صار بحيث يجعل ظرف الماء والمائعات . ولا يتفتت ولا ينقع فكأنه يفخر على أفراد جنسه .
{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ( 14 ) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ( 15 ) فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 16 ) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ( 17 ) فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 18 ) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ( 19 ) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ ( 20 ) فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 21 ) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ( 22 ) فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 23 ) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( 24 ) فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 25 ) }
صلصال : طين جاف له صلصلة وصوت إذا نُقر .
الفخار : الخزف ، وهو ما أحرق من الطين حتى تحجّر .
14-{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّار } .
خلق الله الإنسان من ( التراب ) ، ثم اختلط التراب بالماء فصار ( طينا ) ، ثم تُرك مدة فتحول الطين إلى ( حمأ مسنون ) أي طين يابس منتن ، ثم تحوّل إلى ( طين لازب ) أي لاصق باليد ، ثم تحوّل إلى ( صلصال ) أي طين يابس له صلصلة ، أي صوت إذا نقر ، ( كالفخار ) وهو ما أحرق من الطين حتى تحجّر ويسمى الخزف ، وكل هذه الآيات تعبر عن المراحل التي مرّ بها خلق الإنسان ، فقد عبر القرآن عن أن الله خلق آدم من تراب في بعض الآيات ، وفي آيات أخرى أنه خلق آدم من طين ، وفي آيات أخرى أنه خلقه من حمأ مسنون ، وفي آيات أخرى أنه خلقه من طين لازب ، وهنا عبر بأنه سبحانه خلق الإنسان من : صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ . وكلها تشير إلى المراحل التي مر بها خلق الإنسان ، وكل آية تشير على طور من أطوار هذا الخلق ، وكلها تدل على إعجاز القدرة التي خلقت آدم من جنس الأرض ، ثن نفخت فيه الروح ، فصار بشرا سويا ، يجمع بين الجسم ومتطلباته ، والروح ومتطلباتها ، ومن سماحة الإسلام دعوته الخلق إلى إعمار الكون بالزراعة والتجارة والصناعة ، وإثراء الحياة وفاء لحق الجسم ، ثم دعوته إلى الإيمان وأداء العبادات وإحسان المعاملات ، رغبة في إسعاد الروح في الدنيا ، وتمتعها بنعيم الجنة في الآخرة ، فالإسلام دعا إلى التوازن بين أداء حق الجسم ، وأداء حق الروح .
وفي الحديث الصحيح : " إنّ لربك عليك حقا ، وإن لبدنك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا ، وإن لضيفك عليك حقا ، فأعْطِ كل ذي حق حقّه " v .
{ خلق الإِنسان من صلصال : أي خلق آدم من طين يابس يسمع له صلصلة كالفخار كالفخار } وهو ما طبخ من الطين .
ما زال السياق الكريم في ذكر ما أفاض الرحمن جل جلاله من رحمته التي وسعت كل شيء من آلاء ونعم لا تحصى ولا تعد ولا تحصر فقال تعالى { خلق الإِنسان } أي الرحمن الذي تجاهله المبطلون وقالوا : وما الرحمن . الرحمن الذي خلق الإِنسان آدم أول إنسان خلقه ومن أي شيء خلقه { في صلصال } أي من طين ذي صلصلة وصوت { كالفخار } خلق الإِنسان .
{ 14-16 } { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
وهذا من نعمه تعالى على عباده ، حيث أراهم [ من ] آثار قدرته وبديع صنعته ، أن { خَلَقَ } أبا الإنس وهو آدم عليه السلام { مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } أي : من طين مبلول ، قد أحكم بله وأتقن ، حتى جف ، فصار له صلصلة وصوت يشبه صوت الفخار الذي طبخ على النار{[946]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.