قوله تعالى : { وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن } وفيما يعود إليه الضمير في { به } وجوه : ( أحدها ) ما نقله الزمخشري وهو أنه عائد إلى ما كانوا يقولون من غير علم ( ثانيها ) أنه عائد إلى ما تقدم في الآية المتقدمة من علم ، أي ما لهم بالله من علم فيشركون وقرئ { ما لهم بها } . وفيه وجوه أيضا ( أحدها ) ما لهم بالآخرة ( وثانيها ) ما لهم بالتسمية ( ثالثها ) ما لهم بالملائكة ، فإن قلنا ( ما لهم بالآخرة ) فهو جواب لما قلنا إنهم وإن كانوا يقولون الأصنام شفعاؤنا عند الله وكانوا يربطون الإبل على قبور الموتى ليركبوها لكن ما كانوا يقولون به عن علم ، وإن قلنا بالتسمية قد تكون وهو أن العلم بالتسمية حاصل لهم ، فإنهم يعلمون أنهم ليسوا في شك ، إذ التسمية قد تكون وضعا أوليا وهو لا يكون بالظن بل بالعلم بأنه وضع ، وقد يكون استعمالا معنويا ويتطرق إليه الكذب والصدق والعلم ، مثال الأول : من وضع أولا اسم السماء لموضوعها وقال هذا سماء ، مثال الثاني : إذا قلنا بعد ذلك للماء والحجر هذا سماء ، فإنه كذب ، ومن يعتقده فهو جاهل ، وكذلك قولهم في الملائكة إنها بنات الله ، لم تكن تسمية وضعية ، وإنما أرادوا به أنهم موصوفون بأمر يجب استعمال لفظ البنات فيهم ، وذلك كذب ومعتقده جاهل ، فهذا هو المراد بما ذكرنا أن الظن يتبع في الأمور المصلحية ، والأفعال العرفية أو الشرعية عند عدم الوصول إلى اليقين ، وأما في الاعتقادات فلا يغني الظن شيئا من الحق ، فإن قيل : أليس الظن قد يصيب ، فكيف يحكم عليه بأنه لا يغني أصلا ؟ نقول المكلف يحتاج إلى يقين يميز الحق من الباطل ، ليعتقد الحق ويميز الخير من الشر ليفعل الخير ، لكن في الحق ينبغي أن يكون جازما لاعتقاد مطابقه ، والظان لا يكون جازما ، وفي الخير ربما يعتبر الظن في مواضع ، ويحتمل أن يقال المراد من الحق هو الله تعالى ، ومعناه أن الظن لا يفيد شيئا من الله تعالى ، أي الأوصاف الإلهية لا تستخرج بالظنون يدل عليه قوله تعالى : { ذلك بأن الله هو الحق } وفيه لطيفة ، وهي أن الله تعالى في ثلاثة مواضع منع من الظن ، وفي جميع تلك المواضع كان المنع عقيب التسمية ، والدعاء باسم موضعان منها في هذه السورة ( أحدهما ) قوله تعالى : { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن } . ( والثاني ) قوله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } ، ( والثالث ) في الحجرات ، قال الله تعالى : { ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون * يأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن } عقيب الدعاء بالقلب ، وكل ذلك دليل على أن حفظ اللسان أولى من حفظ غيره من الأركان ، وأن الكذب أقبح من السيئات الظاهرة من الأيدي والأرجل ، وهذه المواضع الثلاثة ( أحدها ) مدح من لا يستحق المدح كاللات والعزى من العز ( وثانيها ) ذم من لا يستحق الذم ، وهم الملائكة الذين هم عباد الرحمن يسمونهم تسمية الأنثى ( وثالثها ) ذم من لم يعلم حاله ، وأما مدح من حاله لا يعلم ، فلم يقل فيه : لا يتبعون إلا الظن ، بل الظن فيه معتبر ، والأخذ بظاهر حال العاقل واجب .
وهذا التعقيب الأخير يوحي بعلاقة اللات والعزى ومناة بأسطورة أنوثة الملائكة ونسبتهم إلى الله سبحانه ! وهي أسطورة واهية ، لا يتبعون فيها إلا الظن . فليس لهم من وسيلة لأن يعلموا شيئا مستيقنا عن طبيعة الملائكة . فأما نسبتهم إلى الله . فهي الباطل الذي لا دليل عليه إلا الوهم الباطل ! وكل هذا لا يغني من الحق ، ولا يقوم مقامه في شيء . الحق الذي يتركونه ويستغنون عنه بالأوهام والظنون !
والحال أنه ليس لهم بذلك علم ، لا عن الله ، ولا عن رسوله ، ولا دلت على ذلك الفطر والعقول ، بل العلم كله دال على نقيض قولهم ، وأن الله منزه عن الأولاد والصاحبة ، لأنه الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وأن الملائكة كرام مقربون إلى الله ، قائمون بخدمته { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } والمشركون{[897]} إنما يتبعون في ذلك القول القبيح ، وهو{[898]} الظن الذي لا يغني من الحق شيئا ، فإن الحق لا بد فيه من اليقين المستفاد من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.