فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّۖ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـٔٗا} (28)

{ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ } هذه الجملة في محل نصب على الحال : أي يسمونهم هذه التسمية والحال أنهم غير عالمين بما يقولون ، فإنهم لم يعرفوهم ولا شاهدوهم ولا بلِّغ إليهم ذلك من طريق من الطرق التي يخبر المخبرون عنها ، بل قالوا ذلك جهلاً وضلالةً وجرأة . وقرئ ( ما لهم بها ) أي بالملائكة أو التسمية { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن } أي ما يتبعون في هذه المقالة إلاّ مجرّد الظنّ والتوهم . ثم أخبر سبحانه عن الظنّ وحكمه ، فقال : { وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئاً } أي إن جنس الظنّ لا يغني من الحق شيئًا من الإغناء ، والحقّ : هنا العلم . وفيه دليل على أن مجرّد الظن لا يقوم مقام العلم وأن الظانّ غير عالم . وهذا في الأمور التي يحتاج فيها إلى العلم وهي المسائل العلمية ، لا فيما يكتفي فيه بالظنّ ، وهي المسائل العملية ، وقد قدّمنا تحقيق هذا . ولا بدّ من هذا التخصيص ، فإن دلالة العموم والقياس وخبر الواحد ونحو ذلك ظنية ، فالعمل بها عمل بالظن ، وقد وجب علينا العمل به في مثل هذه الأمور ، فكانت أدلة وجوبه العمل به فيها مخصصة لهذا العموم ، وما ورد في معناه من الذمّ لمن عمل بالظن والنهي عن اتباعه .