فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّۖ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـٔٗا} (28)

{ وما لهم به من علم } أي والحال أنهم غير عالمين بما يقولون ، فإنهم لم يعرفوهم ولا شاهدوهم ، ولا بلغ إليهم ذلك من طريق من الطرق التي يخبر المخبرون عنها بل قالوا ذلك جهلا وضلالة وجرأة ، وقرئ وما لهم بها أي بالملائكة أو التسمية ، ومن زائدة في المبتدأ المؤخر { إن يتبعون إلا الظن } أي ما يتبعون في هذه المقالة إلا مجرد الظن والتوهم ، وقال النسفي : هو تقليد الآباء ، ثم أخبر سبحانه عن الظن وحكمه فقال :

{ وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } أي : إن جنس الظن لا يغني عن العلم شيئا من الإغناء ، ومن بمعنى عن ، والحق هنا العلم ، وفيه دليل على أن مجرد الظن لا يقوم مقام العلم ، وإن الظان غير عالم ، وهذا في الأمور التي يحتاج فيها إلى العلم ، وهي المسائل العلمية لا فيما يكتفي فيه بالظن ، وهي المسائل العلمية ، وقد قدمنا تحقيق هذا ، ولا بد من هذا التخصيص ، فإن دلالة العموم والقياس وخبر الواحد ونحو ذلك ظنية ، فالعمل بها عمل بالظن وقد وجب علينا العمل في هذه الأمور ، فكانت أدلة وجوب العمل به فيها مخصصة لهذا العموم ، وما ورد في معناه من الذم لمن عمل بالظن والنهي عن اتباعه . وفي الكرخي الظن لا اعتبار له في المعارف الحقيقية ، وإنما العبرة به في العمليات وما يكون وصلة إليها كمسائل علم الفقه ، وقال ابن الخطيب : المراد منه أن الظن لا يغني في الاعتقادات شيئا وأما في الأفعال العرفية أو الشرعية فإن الظن فيها يتبع عند عدم الوصول إلى اليقين .