مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (92)

قوله تعالى : { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعملون } .

في الآية مسائل :

المسألة الأولى : قوله : { فوربك لنسألنهم أجمعين } يحتمل أن يكون راجعا إلى المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين ، لأن عود الضمير إلى الأقرب أولى ، ويكون التقدير أنه تعالى أقسم بنفسه أن يسأل هؤلاء المقتسمين عما كانوا يقولونه من اقتسام القرآن وعن سائر المعاصي ، ويحتمل أن يكون راجعا إلى جميع المكلفين لأن ذكرهم قد تقدم في قوله : { وقل إني أنا النذير المبين } أي لجميع الخلق وقد تقدم ذكر المؤمنين وذكر الكافرين ، فيعود قوله : { فوربك لنسألنهم أجمعين } على الكل ، ولا معنى لقول من يقول إن السؤال إنما يكون عن الكفر أو عن الإيمان ، بل السؤال واقع عنهما وعن جميع الأعمال ، لأن اللفظ عام فيتناول الكل .

فإن قيل : كيف الجمع بين قوله : { فوربك لنسألنهم } وبين قوله : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } أجابوا عنه من وجوه :

الوجه الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا يسألون سؤال الاستفهام لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم ، وإنما يسألون سؤال التقريع يقال لهم لم فعلتم كذا ؟

ولقائل أن يقول : هذا الجواب ضعيف ، لأنه لو كان المراد من قوله : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } سؤال الاستفهام لما كان في تخصيص هذا النفي بقوله يومئذ فائدة لأن مثل هذا السؤال على الله تعالى محال في كل الأوقات .

والوجه الثاني : في الجواب أن يصرف النفي إلى بعض الأوقات ، والإثبات إلى وقت آخر ، لأن يوم القيامة يوم طويل .

ولقائل أن يقول : قوله ؛ { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } هذا تصريح بأنه لا يحصل السؤال في ذلك اليوم ، فلو حصل السؤال في جزء من أجزاء ذلك اليوم لحصل التناقض .

والوجه الثالث : أن نقول : قوله : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } يفيد عموم النفي وقوله : { فوربك لنسألنهم أجمعين } عائد إلى المقتسمين وهذا خاص ، ولا شك أن الخاص مقدم على العام .