مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ} (91)

وقوله : { الذين جعلوا القرآن عضين } فيه بحثان :

البحث الأول : في هذا اللفظ قولان : الأول : أنه صفة للمقتسمين . والثاني : أنه مبتدأ ، وخبره هو قوله : { لنسألهم } وهو قول ابن زيد .

البحث الثاني : ذكر أهل اللغة في واحد عضين قولين :

القول الأول : أن واحدها عضة مثل عزة وبرة وثبة ، وأصلها عضوة من عضيت الشيء إذا فرقته ، وكل قطعة عضة ، وهي مما نقص منها واو هي لام الفعل ، والتعضية التجزئة والتفريق ، يقال : عضيت الجزور والشاة تعضية إذا جعلتها أعضاء وقسمتها ، وفي الحديث : «لا تعضية في ميراث إلا فيما احتمل القسمة » أي لا تجزئه فيما لا يحتمل القسمة كالجوهرة والسيف . فقوله : { جعلوا القرآن عضين } يريد جزؤه أجزاء ، فقالوا : سحر وشعر وأساطير الأولين ومفترى .

والقول الثاني ؛ أن واحدها عضة وأصلها عضهة ، فاستثقلوا الجمع بين هاءين ، فقالوا : عضة كما قالوا شفة ، والأصل شفهة بدليل قولهم : شافهت مشافهة ، وسنة وأصلها سنهة في بعض الأقوال ، وهو مأخوذ من العضة بمعنى الكذب ، ومنه الحديث : «إياكم والعضة » وقال ابن السكيت : والعضة بأن يعضه الإنسان ويقول فيه ما ليس فيه . وهذا قول الخليل فيما روى الليث عنه ، فعلى هذا القول معنى قوله تعالى : { جعلوا القرآن عضين } أي جعلوه مفترى . وجمعت العضة جمع ما يعقل لما لحقها من الحذف ، فجعل الجمع بالواو والنون عوضا مما لحقها من الحذف .