مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

أما قوله : { فاصدع بما تؤمر } فاعلم أن معنى الصدع في اللغة الشق والفصل ، وأنشد ابن السكيت لجرير :

هذا الخليفة فارضوا ما قضى لكم *** بالحق يصدع ما في قوله حيف فقال يصدع يفصل ، وتصدع القوم إذا تفرقوا ، ومنه قوله تعالى : { يومئذ يصدعون } قال الفراء : يتفرقون . والصدع في الزجاجة الإبانة ، أقول ولعل ألم الرأس إنما سمي صداعا لأن قحف الرأس عند ذلك الألم كأنه ينشق . قال الأزهري : وسمي الصبح صديعا كما يسمى فلقا . وقد انصدع وانفلق الفجر وانفطر الصبح .

إذا عرفت هذا فقول : { فاصدع بما تؤمر } أي فرق بين الحق والباطل ، وقال الزجاج : فاصدع أظهر ما تؤمر به يقال : صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا كقولك صرح بها ، وهذا في الحقيقة يرجع أيضا إلى الشق والتفريق ، أما قوله : { بما تؤمر } ففيه قولان : الأول : أن يكون «ما » بمعنى الذي أي بما تؤمر به من الشرائع ، فحذف الجار كقوله :

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به *** . . .

الثاني : أن تكون «ما » مصدرية أي فاصدع بأمرك وشأنك . قالوا : وما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية .

ثم قال تعالى : { وأعرض عن المشركين } أي لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة . قال بعضهم : هذا منسوخ بآية القتال وهو ضعيف ، لأن معنى هذا الإعراض ترك المبالاة بهم فلا يكون منسوخا .