اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (92)

قوله : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } يحتمل أن يعود الضمير إلى المقتسمين ؛ لأنه الأقرب ، ويحتمل أن يعود إلى جميع المكلفين ، لأنَّ ذكرهم تقدَّم في قوله تعالى : { وَقُلْ إني أَنَا النذير المبين } أي : لجميع [ الخلائق ]{[19656]} .

{ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال القرطبي : في البخاري : قال عدَّة من أهل العلم في قوله تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }{[19657]} عن لا إله إلا الله .

فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } وبين قوله : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } [ الرحمن : 39 ] .

فأجابوا بوجوه :

أولها : قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : لا يسألون سؤال استفهامٍ ؛ لأنه تعالى عالم بكلِّ أعمالهم ، بل سؤال تقريع ، فيقال لهم : لم فعلتم كذا ؟{[19658]} .

وهذا ضعيف ؛ لأنه لو كان المراد من قوله : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ } [ الرحمن : 39 ] سؤال استفهام ، لما كان في تخصيص هذا النفي بقولهم " يَومئِذٍ " فائدة ؛ لأنَّ مثل هذا السؤال على الله محالٌ في كلِّ الأوقات .

وثانيها : أنه يصرف للنفي إلى بعض الأوقات ، والإثبات إلى وقت آخر ؛ لأنَّ يوم القيامة ، يوم طويل ، وفيه مواقف يسألون في بعضها ، ولا يسألون في بعضها ، قاله عكرمة عن ابن عباس{[19659]} ونظيره قوله تعالى : { هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } [ المرسلات : 35 ] ، وقال في آية أخرى : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [ الزمر : 31 ] .

ولقائلٍ ِأن يقوله : قوله : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ } الآية : تصريحٌ بأنه لا يحصل السؤال في ذلك اليوم ، فلو حصل السؤال في جزء من أجزاء اليوم ، لحصل التَّناقض .

وثالثها : أن قوله : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ } تفيد الآية النَّفي ، وفي قوله { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ } يعود إلى المقتسمين ، وهذا خاص فيقدم على العام .


[19656]:في أ: الخلق.
[19657]:سقط من: ب.
[19658]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/85) والرازي (19/170).
[19659]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/86).