مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (123)

واعلم أنه تعالى لما وصف إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات العالية الشريفة قال : { ثم أوحينآ إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } وفيه مباحث :

البحث الأول : قال قوم : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على شريعة إبراهيم عليه السلام ، وليس له شرع هو به منفرد ، بل المقصود من بعثته عليه السلام إحياء شرع إبراهيم عليه السلام وعول في إثبات مذهبه على هذه الآية وهذا القول ضعيف ، لأنه تعالى وصف إبراهيم عليه السلام في هذه الآية بأنه ما كان من المشركين ، فلما قال : { اتبع ملة إبراهيم } كان المراد ذلك .

فإن قيل : إنما نفى النبي صلى الله عليه وسلم الشرك وأثبت التوحيد بناء على الدلائل القطعية وإذا كان كذلك لم يكن متابعا له فيمتنع حمل قوله : { إن أتبع } على هذا المعنى فوجب حمله على الشرائع التي يصح حصول المتابعة فيها .

قلنا : يحتمل أن يكون المراد الأمر بمتابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد . وهو أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن .

البحث الثاني : قال صاحب «الكشاف » : لفظة «ثم » في قوله : { ثم أوحينآ إليك } تدل على تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال محله والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله من الكرامة وأجل ما أوتي من النعمة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته من قبل ، إن هذه اللفظة دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة عن سائر المدائح التي مدحه الله بها .