المرتبة الثالثة : وهو ورود الأمر بالجزم بالترك وهو قوله : { واصبر } لأنه في المرتبة الثانية ذكر أن الترك خير وأولى ، وفي هذه المرتبة الثالثة صرح بالأمر بالصبر ، ولما كان الصبر في هذا المقام شاقا شديدا ذكر بعده ما يفيد سهولته فقال : { وما صبرك إلا بالله } أي بتوفيقه ومعونته وهذا هو السبب الكلي الأصلي المفيد في حصول الصبر وفي حصول جميع أنواع الطاعات . ولما ذكر هذا السبب الكلي الأصلي ذكر بعده ما هو السبب الجزئي القريب فقال : { ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون } وذلك لأن إقدام الإنسان على الانتقام ، وعلى إنزال الضرر بالغير ، لا يكون إلا عند هيجان الغضب ، وشدة الغضب لا تحصل إلا لأحد أمرين : أحدهما : فوات نفع كان حاصلا في الماضي وإليه الإشارة بقوله : { ولا تحزن عليهم } قيل معناه : ولا تحزن على قتلى أحد ، ومعناه لا تحزن بسبب فوت أولئك الأصدقاء . ويرجع حاصله إلى فوت النفع . والسبب الثاني : لشدة الغضب توقع ضرر في المستقبل ، وإليه الإشارة بقوله : { ولا تك في ضيق مما يمكرون } ومن وقف على هذه اللطائف عرف أنه لا يمكن كلام أدخل في الحسن والضبط من هذا الكلام ، بقي في لفظ الآية مباحث :
البحث الأول : قرأ ابن كثير : { ولا تك في ضيق } بكسر الضاد ، وفي النمل مثله ، والباقون : بفتح الضاد في الحرفين . أما الوجه في القراءة المشهورة فأمور : قال أبو عبيدة : الضيق بالكسر في قلة المعاش والمساكن ، وما كان في القلب فإنه الضيق . وقال أبو عمرو : الضيق بالكسر الشدة والضيق بفتح الضاد الغم . وقال القتيبي : ضيق تخفيف ضيق مثل هين وهين ولين ولين . وبهذا الطريق قلنا : إنه تصح قراءة ابن كثير .
البحث الثاني : قرئ { ولا تكن في ضيق } .
البحث الثالث : هذا من الكلام المقلوب ، لأن الضيق صفة ، والصفة تكون حاصلة في الموصوف ولا يكون الموصوف حاصلا في الصفة ، فكان المعنى فلا يكون الضيق فيك ، إلا أن الفائدة في قوله : { ولا تك في ضيق } هو أن الضيق إذا عظم وقوي صار كالشيء المحيط بالإنسان من كل الجوانب وصار كالقميص المحيط به ، فكانت الفائدة في ذكر هذا اللفظ هذا المعنى والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.