فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (123)

{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } يا محمد مع علوّ درجتك وسموّ منزلتك ، وكونك سيد ولد آدم { أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم } وأصل الملة اسم لما شرعه الله لعباده على لسان نبيّ من أنبيائه . وقيل : والمراد هنا اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم لملة إبراهيم في التوحيد والدعوة إليه . وقال ابن جرير : في التبرّي من الأوثان ، والتدّين بدين الإسلام . وقيل : في مناسك الحج ؛ وقيل : في الأصول دون الفروع . وقيل : في جميع شريعته ، إلاّ ما نسخ منها ، وهذا هو الظاهر ، وقد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأنبياء مع كونه سيدهم ، فقال تعالى : { فَبِهُدَاهُمُ اقتده } [ الأنعام : 90 ] . وانتصاب { حَنِيفاً } على الحال من إبراهيم ، وجاز مجيء الحال منه ؛ لأن الملة كالجزء منه . وقد تقرّر في علم النحو أن الحال من المضاف إليه جائز إذا كان يقتضي المضاف العمل في المضاف إليه ، أو كان جزءاً منه أو كالجزء { وَمَا كَانَ مِنَ المشركين } وهو تكرير لما سبق للنكتة التي ذكرناها .