قوله - تعالى - : { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } الآية .
لما وصف إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - بهذه الصِّفات العالية الشريفة ، قال - جل ذكره - : { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } . قال الزمخشري في " ثُمَّ " هذه : إنها تدلُّ على تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال محله ، والإيذان بأن الشَّرف ما أوتي خليل الرحمن من الكرامةِ ، وأجل ما أولي من النِّعمة : اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملَّته ، من قبل أنَّها دلت على تباعد هذا النَّعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله - سبحانه وتعالى - عليه بها .
قوله تعالى : { أَنِ اتبع } ، يجوز أن تكون المفسرة ، وأن تكون المصدرية ، فتكون مع منصوبها مفعول الإيحاء .
قوله تعالى : " حَنِيفاً " حال ، وتقدم تحقيقه في البقرة [ الآية : 135 ] .
وقال ابن عطية{[20135]} : قال مكِّي : ولا يكون - يعني : " حَنِيفاً " - حالاً من " إبْراهِيمَ " عليه السلام ؛ لأنه مضاف إليه .
وليس كما قال ؛ لأن الحال قد يعمل فيها حروف الجرِّ ، إذا عملت في ذي الحال ؛ كقولك : مَرَرْتُ بهِ قَائِماً .
وما ذكره مكِّي من امتناع الحال من المضاف إليه ، فليس على إطلاقه ؛ كما تقدم تفصيله في البقرة .
وأما قول ابن عطية{[20136]} - رحمه الله- : إن العامل الخافض ، فليس كذلك ؛ إنما العامل ما تعلق به الخافض ، وكذلك إذا حذف الخافض ، نصب مخفوضه .
قال قوم : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على شريعة إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - وليس له شرعٌ معيَّن ، بل المقصود من بعثته : إحياء [ شرع ]{[20137]} إبراهيم صلى الله عليه وسلم بهذه الآية ، وهذا ضعيف ؛ لأنه - تعالى - وصف إبراهيم - عليه السلام - في هذه الآية بأنه ما كان من المشركين ، فلما قال : { أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } ، كان المراد ذلك .
فإن قيل : النبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الشرك وأثبت التوحيد ؛ بناء على الدَّلائلِ القطعية ، وإذا كان كذلك ، لم يكن متابعاً له ، فيمتنع حمل قوله : " أن اتَّبعْ " على هذا المعنى ؛ فوجب حمله على الشَّرائع التي يصح حصول المتابعة فيها .
فالجواب : أنه يحتمل أن يكون المراد بمتابعته في كيفيَّة الدَّعوة إلى التوحيد ؛ وهي أن يدعو بطريق الرفق ، والسهولة ، وإيراد الدلائل مرَّة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن .
قال القرطبي : وفي هذه الآية دليل على جواز اتباع الأفضل للمفضول ؛ لما يؤدِّي إلى الثواب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - وقد أمر بالاقتداء بهم ؛ فقال - تعالى - : { فَبِهُدَاهُمُ اقتده } [ الأنعام : 90 ] ، وقال - تعالى - هنا : { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.