مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ أَرَءَيۡتَ إِذۡ أَوَيۡنَآ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلۡحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ عَجَبٗا} (63)

{ قال } الفتى : { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة } الهمزة في أرأيت همزة الاستفهام ورأيت على معناه الأصلي وقد جاء هذا الكلام على ما هو المتعارف بين الناس فإنه إذا حدث لأحدهم أمر عجيب قال لصاحبه أرأيت ما حدث لي ؟ كذلك ههنا كأنه قال : أرأيت ما وقع لي منه إذ أوينا إلى الصخرة ، فحذف مفعول أرأيت لأن قوله : { فإني نسيت الحوت } يدل عليه ثم قال : { وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } وفيه مباحث :

البحث الأول : أنه اعتراض وقع بين المعطوف والمعطوف عليه والتقدير فإني نسيت الحوت واتخذ سبيله في البحر عجبا ، والسبب في وقوع هذا الاعتراض ما يجري مجرى العذر والعلة لوقوع ذلك النسيان .

البحث الثاني : قال الكعبي : { وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } يدل على أنه تعالى ما خلق ذلك النسيان وما أراده وإلا كانت إضافته إلى الله تعالى أوجب من إضافته إلى الشيطان لأنه تعالى إذا خلقه فيه لم يكن لسعي الشيطان في وجوده ولا في عدمه ، أثر قال القاضي : والمراد بالنسيان أن يشتغل قلب الإنسان بوساوسه التي هي من فعله دون النسيان الذي يضاد الذكر لأن ذلك لا يصح أن يكون إلا من قبل الله تعالى .

البحث الثالث : قوله { أن اذكره } بدل من الهاء في { أنسانيه } أي : وما أنساني ذكره إلا الشيطان ثم قال : { واتخذ سبيله في البحر عجبا } وفيه وجوه : الأول : أن قوله عجبا صفة لمصدر محذوف كأنه قيل واتخذ سبيله في البحر اتخاذا عجبا ووجه كونه عجبا انقلابه من المكتل وصيرورته حيا وإلقاء نفسه في البحر على غفلة منهما . والثاني : أن يكون المراد منه ما ذكرنا أنه تعالى جعل الماء عليه كالطاق وكالسرب . الثالث : قيل إنه تم الكلام عند قوله : { واتخذ سبيله في البحر } ثم قال بعده : عجبا والمقصود منه تعجبه من تلك العجيبة التي رآها ومن نسيانه لها وقيل إن قوله عجبا حكاية لتعجب موسى وهو ليس بقوله .