مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

قوله تعالى :{ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا . قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا . قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا }

اعلم أن لفظ الغلام قد يتناول الشاب البالغ بدليل أنه يقال رأى الشيخ خير من مشهد الغلام جعل الشيخ نقيضا للغلام وذلك يدل على أن الغلام هو الشاب وأصله من الاغتلام وهو شدة الشبق وذلك إنما يكون في الشباب ، وأما تناول هذا اللفظ للصبي الصغير فظاهر ، وليس في القرآن كيف لقياه هل كان يلعب مع جمع من الغلمان الصبيان أو كان منفردا ؟ وهل كان مسلما أو كان كافرا ؟ وهل كان منعزلا ؟ وهل كان بالغا أو كان صغيرا ؟ وكان اسم الغلام بالصغير أليق وإن احتمل الكبير إلا أن قوله : { بغير نفس } أليق بالبالغ منه بالصبي لأن الصبي لا يقتل وإن قتل ، وأيضا فهل قتله بأن حز رأسه أو بأن ضرب رأسه بالجدار أو بطريق آخر فليس في لفظ القرآن ما يدل على شيء من هذه الأقسام فعند هذا قال موسى عليه السلام : { أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا } وفيه مباحث :

البحث الأول : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو زاكية بالألف والباقون زكية بغير ألف قال الكسائي : الزاكية والزكية لغتان ومعناهما الطاهرة ، وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب والزكية التي أذنبت ثم تابت .

البحث الثاني : ظاهر الآية يدل على أن موسى عليه السلام استبعد أن يقتل النفس إلا لأجل القصاص بالنفس وليس الأمر كذلك لأنه قد يحل دمه بسبب من الأسباب ، وجوابه أن السبب الأقوى هو ذلك .

البحث الثالث : النكر أعظم من الإمر في القبح ، وهذا إشارة إلى أن قتل الغلام أقبح من خرق السفينة لأن ذلك ما كان اتلافا للنفس لأنه كان يمكن أن لا يحصل الغرق ، أما ههنا حصل الإتلاف قطعا فكان أنكر وقيل إن قوله : { لقد جئت شيئا إمرا } أي عجبا والنكر أعظم من العجب وقيل النكر ما أنكرته العقول ونفرت عنه النفوس فهو أبلغ في تقبيح الشيء من الإمر ومنهم من قال : الإمر أعظم . قال : لأن خرق السفينة يؤدي إلى إتلاف نفوس كثيرة وهذا القتل ليس إلا إتلاف شخص واحد وأيضا الإمر هو الداهية العظيمة فهو أبلغ من النكر