مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَتِي وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِي جَبَّارٗا شَقِيّٗا} (32)

الصفة السادسة : قوله تعالى : { وبرا بوالدتي } أي جعلني برا بوالدتي وهذا يدل على قولنا : إن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأن الآية تدل على أن كونه برا إنما حصل بجعل الله وخلقه وحمله على الألطاف عدول عن الظاهر ثم قوله : { وبرا بوالدتي } إشارة إلى تنزيه أمه عن الزنا إذ لو كانت زانية لما كان الرسول المعصوم مأمورا بتعظيمها . قال صاحب «الكشاف » : جعل ذاته برا لفرط بره ونصبه بفعل في معنى أوصاني وهو كلفني لأن أوصاني بالصلاة وكلفني بها واحد . الصفة السابعة ؛ قوله : { ولم يجعلني جبارا شقيا } وهذا أيضا يدل على قولنا لأنه لما بين أنه جعله برا وما جعله جبارا فهذا إنما يحسن لو أن الله تعالى جعل غيره جبارا وغير بار بأمه ، فإن الله تعالى لو فعل ذلك بكل أحد لم يكن لعيسى عليه السلام مزيد تخصيص بذلك ، ومعلوم أنه عليه السلام إنما ذكر ذلك في معرض التخصيص وقوله : { ولم يجعلني جبارا } أي ما جعلني متكبرا بل أنا خاضع لأني متواضع لها ولو كنت جبارا لكنت عاصيا شقيا . وروي أن عيسى عليه السلام قال : قلبي لين وأنا صغير في نفسي وعن بعض العلماء لا تجد العاق إلا جبارا شقيا وتلا : { وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا } ولا تجد سيء الملكة إلا مختالا فخورا وقرأ : { وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا } .