مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

المسألة الرابعة : أنهم لما بالغوا في توبيخها سكتت وأشارت إليه أي إلى عيسى عليه السلام أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه وعن السدي لما أشارت إليه غضبوا غضبا شديدا وقالوا : لسخريتها بنا أشد من زناها ، روي أنه كان يرضع فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابته ، وقيل : كلمهم بذلك ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان . وقيل إن زكرياء عليه السلام أتاها عند مناظرة اليهود إياها ، فقال لعيسى عليه السلام انطق بحجتك إن كنت أمرت بها فقال عيسى عليه السلام عند ذلك :{ إني عبد الله } فإن قيل كيف عرفت مريم من حال عيسى عليه السلام أنه يتكلم ؟ قلنا : إن جبريل عليه السلام أو عيسى عليه السلام ناداها من تحتها أن لا تحزني وأمرها عند رؤية الناس بالسكوت ، فصار ذلك كالتنبيه لها على أن المجيب هو عيسى عليه السلام أو لعلها عرفت ذلك بالوحي إلى زكرياء أو لعلها عرفت بالوحي إليها على سبيل الكرامة ، بقي ههنا بحثان :

البحث الأول : قوله : { كيف نكلم من كان في المهد صبيا } أي حصل في المهد فكان ههنا بمعنى حصل ووجد وهذا هو الأقرب في تأويل هذا اللفظ ، وإن كان الناس قد ذكروا وجوها أخر .

البحث الثاني : اختلفوا في المهد فقيل هو حجرها لما روى أنها أخذته في خرقة فأتت به قومها فلما رأوها قالوا لها ما قالوا فأشارت إليه وهو في حجرها ولم يكن لها منزل معد حتى يعد لها المهد أو المعنى : كيف نكلم صبيا سبيله أن ينام في المهد .