قوله تعالى : { وَبَرّاً بِوَالِدَتِي } : العامَّةُ على فتح الباء ، وفيه تأويلان :
أحدهما : أنه منصوبٌ نسقاً على " مباركاً " أي : وجعلني برَّا .
والثاني : أنَّه منصوبٌ بإضمارِ فعلٍ ، واختير هذا على الأوَّلِ ؛ لأنَّ فيه فصلاُ كثيراً بجملةِ الوصيَّةِ ومتعلَّقها .
قال الزمخشريُّ : جعل ذاتهُ برَّا ؛ لفَرْط برِّه ، ونصبه بفعل في معنى " أوْصَانِي " وهو " كَلَّفَنِي " لأنَّ أوْصَانِي بالصَّلاة ، وكلَّفَنِي بها واحدٌ .
وقُرئ " برَّا " بكسر الباء{[21599]} : إمَّا على حذفِ مضافٍ ، وإمَّا على المبالغة في جعله نفس المصدر ، وقد تقدَّم في البقرة : أنه يجوز أن يكون وصفاً على فعلِ ، وحكى الزَّهْراوِيُّ ، وأبو البقاء{[21600]} أنه قُرِئَ بكسر الباء ، والراء ، وتوجيهه : أنه نسقٌ على " الصَّلاة " أي : وأوصاني بالصَّلاة وبالزَّكَاة ، وبالبرِّ ، أو البرّ . و " بوالدتي " متعلق بالبر ، أو البر .
فصل فيما يشير إليه قوله { وبرَّا بوالدتي }
قوله : { وَبَرّاً بِوَالِدَتِي } إشارةٌ إلى تنزيه أمِّه عن الزِّنا ؛ إذ لو كانت زانيةٌ ، لما كان الرسُول المعصومُ مأمُوراً بتعظيمها وبرِّها ؛ لأنه تأكَّد حقَّها عليه ؛ لتمحض إذ حقها لا والد له سواها .
قوله تعالى : { وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } يدلُّ على أنَّ فعل العبد مخلوقٌ لله تعالى ؛ لأنَّه لما أخبر أنه تعالى ، جعله برًّا ، وما جعله جبَّاراً ، إنما يحسن لو أنَّ الله تعالى جعل غيره جبَّاراً ، وجعله [ غير ] برٍّ بأمِّه ؛ فإن الله تعالى ، لو فعل ذلك بكلِّ أحدٍ ، لم يكُن لعيسى مزيَّةً تخصيصٍ بذلك ، ومعلومٌ أنه -صلواتُ الله عليه وسلامهُ- إنما ذكر ذلك في معرضِ التخصيصِ ، ومعنى قوله : { وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً } أي ما جعلني جبَّاراً متكبرِّاً ، بل أنا خاضعٌ لأمِّي ، متواضعٌ لها ، ولو كنتُ جبَّاراً متكبِّراً ، بل أنا خاضعٌ لأمِّي ، متواضعٌ لها ، ولو كنتُ جبَّاراً ، كنتُ عاصياً شقياً .
قال بعضُ العلماء : لا تجد العاق إلا جباراً شقياً ، وتلا : { وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } ولا تجد سيّئ الملكة إلا مختالاً فخُوراً ، وقرأ : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } [ النساء : 36 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.