" وبرا بوالدتي " قال ابن عباس : لما قال " وبرا بوالدتي " ولم يقل بوالدي علم أنه شيء من جهة الله تعالى . " ولم يجعلني جبارا " أي متعظما متكبرا يقتل ويضرب على الغضب . وقيل : الجبار الذي لا يرى لأحد عليه حقا قط " شقيا " أي خائبا من الخير . ابن عباس : عاقا . وقيل : عاصيا لربه . وقيل : لم يجعلني تاركا لأمره فأشقى كما شقي إبليس لما ترك أمره .
الثالثة-قال مالك بن أنس رحمه الله تعالى في هذه الآية : ما أشدها على أهل القدر ! أخبر عيسى عليه السلام بما قضي من أمره ، وبما هو كائن إلى أن يموت . وقد روي في قصص هذه الآية عن ابن زيد وغيره أنهم لما سمعوا كلام عيسى أذعنوا وقالوا : إن هذا لأمر عظيم . وروي أن عيسى عليه السلام إنما تكلم في طفولته بهذه الآية ، ثم عاد إلى حالة الأطفال ، حتى مشى على عادة البشر إلى أن بلغ مبلغ الصبيان فكان نطقه إظهار براءة أمه لا أنه كان ممن يعقل في تلك الحالة ، وهو كما ينطق الله تعالى الجوارح يوم القيامة . ولم ينقل أنه دام نطقه ، ولا أنه كان يصلي وهو ابن يوم أو شهر ، ولو كان يدوم نطقه وتسبيحه ووعظه وصلاته في صغره بن وقت الولادة لكان مثله مما لا ينكتم ، وهذا كله مما يدل على فساد القول الأول ، ويصرح بجهالة قائله . ويدل أيضا على أنه تكلم في المهد خلافا لليهود والنصارى . والدليل على ذلك إجماع الفرق على أنها لم تحد . وإنما صح براءتها من الزنى بكلامه في المهد . ودلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة ، والقرون الخالية الماضية ، فهو مما يثبت حكمه ولم ينسخ في شريعة أمره . وكان عيسى عليه السلام في غاية التواضع ، يأكل الشجر ، ويلبس الشعر ، ويجلس على التراب ، ويأوي حيث جنه الليل ، لا مسكن له ، صلى الله عليه وسلم .
الرابعة-الإشارة بمنزلة الكلام ، وتفهم ما يفهم القول . كيف لا وقد أخبر الله تعالى عن مريم فقال : " فأشارت إليه " وفهم منها القوم مقصودها وغرضها فقالوا : ( كيف نكلم ) وقد مضى هذا في " آل عمران " {[10835]} مستوفى .
الخامسة-قال الكوفيون : لا يصح قذف الأخرس ولا لعانه . وروي مثله عن الشعبي ، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وإنما يصح القذف عندهم بصريح الزنى دون معناه ، وهذا لا يصح من الأخرس ضرورة ، فلم يكن قاذفا ، بالإشارة بالزنى من الوطء الحلال والشبهة . قالوا : واللعان عندنا شهادات ، وشهادة الأخرس لا تقبل بالإجماع . قال ابن القصار : قولهم إن القذف لا يصح إلا بالتصريح فهو باطل بسائر الألسنة ما عدا العربية ، فكذلك إشارة الأخرس . وما ذكروه من الإجماع في شهادة الأخرس فغلط . وقد نص مالك أن شهادته مقبولة إذا فهمت إشارته ، وأنها تقوم مقام اللفظ بالشهادة ، وأما مع القدرة باللفظ فلا تقع منه إلا باللفظ . قال ابن المنذر : والمخالفون يلزمون الأخرس الطلاق والبيوع وسائر الأحكام ، فينبغي أن يكون القذف مثل ذلك . قال المهلب : وقد تكون الإشارة في كثير من أبواب الفقه أقوى من الكلام مثل قوله عليه الصلاة والسلام : ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) نعرف قرب ما بينهما بمقدار زيادة الوسطى على السبابة . وفي إجماع العقول على أن العيان أقوى من الخبر دليل على أن الإشارة قد تكون في بعض المواضع أقوى من الكلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.