روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَتِي وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِي جَبَّارٗا شَقِيّٗا} (32)

{ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي } عطف على { مُبَارَكاً } [ مريم : 31 ] على ما قال الحوفي وأبو البقاء ، وتعقبه أبو حيان بأن فيه بعداً للفصل بالجملة ومتعلقها اختار إضمار فعل أي وجعلني باراً بها ، قيل هذا كالصريح في أنه عليه السلام لا والد له فهو أظهر الجمل في الإشارة إلى براءتها عليها السلام . وقرئ { بِراً } بكسر الباء ووجه نصبه نحو ما مر في القراءة المتواترة ، وجعل ذاته عليه السلام براً من باب فإنما هي إقبال وإدبار ، وجوز أن يكون النصب بفعل في معنى { أوصاني } أي وألزمني أو وكلفني براً فهو من باب :

علفتها تبناً وماءً بارداً *** وأقرب منه على ما في «الكشف » لأنه مثل زيداً مررت به في التناسب وإن لم يكن من بابه .

وجوز أن يكون معطوفاً على محل { بالصلاة } كما قيل في قراءة { أَرْجُلِكُمْ } بالنصب ، وقيل إن أوصى قد يتعدى للمفعول الثاني بنفسه كما وقع في «البخاري » أوصيناك ديناً واحداً ، والظاهر أن الفعل في مثل ذلك مضمن معنى ما يتعدى بنفسه ، وحكى الزهراوي . وأبو البقاء أنه قرئ { *وبر } بكسر الباء والراء وهو معطوف على الصلاة والزكاة قولاً واحداً ، والتنكير للتفخيم { وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً } أي لم يقض على سبحانه بذلك في علمه الأزلي ، وقد كان عليه السلام في غاية التواضع يأكل الشجر ويلبس الشعر ويجلس على التراب ولم يتخذ مسكناً ، وكان عليه السلام يقول : سلوني فإني لين القلب صغير في نفسي .

ومن باب الإشارة وذكر ابن عطاء في قوله تعالى : { وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } [ مريم : 32 ] إن الجبار الذي لا ينصح والشقي الذي لا ينتصح نعوذ بالله سبحانه من أن يجعلنا كذلك .