مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ رَبِّي يَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (4)

قوله تعالى :{ قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم ، بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ، ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون }

أما قوله : { قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : قرئ { قال ربي } حكاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وقرأ الباقون قل بضم القاف وحذف الألف وسكون اللام .

المسألة الثانية : أنه تعالى لما أورد هذا الكلام عقيب ما حكى عنهم وجب أن يكون كالجواب لما قالوه فكأنه قال إنكم وإن أخفيتم قولكم ، وطعنكم فإن ربي عالم بذلك وإنه من وراء عقوبته ، فتوعدوا بذلك لكي لا يعودوا إلى مثله .

المسألة الثالثة : قال صاحب « الكشاف » : فإن قلت فهلا قيل له يعلم السر لقوله : { وأسروا النجوى } قلت القول علام يشمل السر والجهر فكأن في العلم به العلم بالسر وزيادة فكأن أكد في بيان الإطلاع على نجواهم من أن يقول : { يعلم السر } كما أن قوله تعالى : { يعلم السر } أكد من أن يقول يعلم سرهم فإن قلت فلم ترك الآكد في سورة الفرقان في قوله : { قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض } قلت : ليس بواجب أن يجيء بالآكد في قوله في كل موضع ، ولكن يجيء بالتوكيد مرة وبالآكد مرة أخرى ، ثم الفرق أنه قدم ههنا أنهم أسروا النجوى ، فكأنه أراد أن يقول : إن ربي يعلم ما أسروه ، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة وثمة قصد وصف ذاته بأن قال : { أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض } فهو كقوله : { علام الغيوب } ، { عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة } .

المسألة الرابعة : إنما قدم السميع على العليم لأنه لا بد من سماع الكلام أولا ثم من حصول العلم بمعناه .