السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ رَبِّي يَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (4)

ثم كأنه قيل : فإذا يقال لهؤلاء فقال : { قال } لهم : { ربي } المحسن إلي { يعلم القول } سواء كان سراً أم جهراً كائناً { في السماء والأرض } على حد سواء ؛ لأنه لا مسافة بينه وبين شيء من ذلك { وهو السميع العليم } ، فلا يخفى عليه ما يسرون ولا ما يضمرون .

فإن قيل : هلا قيل يعلم السر لقوله تعالى : { وأسروا النجوى } [ طه ، 62 ] أجيب بأن القول عام يشمل السر والجهر ، فكان في العلم به العلم بالسر وزيادة ، فكان آكد في بيان الاطلاع على نجواهم من أن يقول : يعلم السر كما أن قوله : يعلم السر آكد من أن يقول يعلم سرهم .

فإن قيل : لم ترك هذا الآكد في سوره الفرقان في قوله تعالى : { قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض } [ الفرقان ، 6 ] ، ولم يقل : يعلم القول كما هنا ؟ أجيب : بأنه ليس بواجب أن يأتي بالآكد في كل موضع ، ولكن يجيء بالوكيد تارة وبالآكد تارة أخرى ، كما يجيء بالحسن في موضع وبالأحسن في غيره ليفتن الكلام افتتاناً ، ويجمع الغاية وما دونها ، على أن أسلوب تلك الآية خلاف أسلوب هذه من قبل أنه قدم هاهنا أنهم أسروا النجوى ، فكأنه أراد أن يقول : إنّ ربي يعلم ما أسروه ، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة ، وثم قصد وصف ذاته بأنه أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ، فهو كقوله تعالى : { علام الغيوب } [ المائدة ، 109 ] { عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة } [ سبأ ، 3 ] ، وقرأ حفص وحمزة والكسائي قال بصيغة الماضي بالإخبار عن الرسول والباقون قل بصيغة الأمر .