مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

قوله تعالى : { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير } . وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في كيفية النظم وجهان : الأول : أخبر تعالى فيما تقدم عن أهوال يوم القيامة وشدتها ، ودعا الناس إلى تقوى الله . ثم بين في هذه الآية قوما من الناس الذين ذكروا في الأول . وأخبر عن مجادلتهم الثاني : أنه تعالى بين أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها ، فإن من الناس من يجادل في الله بغير علم ، ثم في قوله : { ومن الناس } وجهان : الأول : أنهم الذين ينكرون البعث ، ويدل عليه قوله : { أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة } إلى آخر الآية . وأيضا فإن ما قبل هذه الآية وصف البعث وما بعدها في الدلالة على البعث ، فوجب أن يكون المراد من هذه المجادلة هو المجادلة في البعث والثاني : أنها نزلت في النضر بن الحرث ، كان يكذب بالقرآن ويزعم أنه أساطير الأولين ، ويقول ما يأتيكم به محمد كما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما .

المسألة الثانية : هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة ، لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة ، فالمجادلة الباطلة هي المراد من قوله : { ما ضربوه لك إلا جدلا } والمجادلة الحقة هي المراد من قوله : { وجادلهم بالتي هي أحسن } .

المسألة الثالثة : في قوله : { ويتبع كل شيطان مريد } قولان : أحدهما : يجوز أن يريد شياطين الإنس وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر والثاني : أن يكون المراد بذلك إبليس وجنوده ، قال الزجاج المريد والمارد المرتفع الأملس ، يقال صخرة مرداء أي ملساء ، ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز حد مثله .