الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

قيل : نزلت في النضر بن الحارث ، وكان جدلاً يقول : الملائكة بنات الله ، والقرآن أساطير الأولين ، والله غير قادر على إحياء من بلي وصار تراباً . وهي عامة في كل من تعاطى الجدال فيما يجوز على الله وما لا يجوز من الصفات والأفعال ، ولا يرجع إلى علم ولا يعضّ فيه بضرس قاطع ، وليس فيه اتباع للبرهان ولا نزول على النصفة ، فهو يخبط خبط عشواء ، غير فارق بين الحق والباطل { وَيَتَّبِعُ } في ذلك خطوات { كُلّ شيطان } عات ، علم من حاله وظهر وتبين أنه من جعله ولياً له لم تثمر له ولايته إلا الإضلال عن طريق الجنة والهداية إلى النار . وما أرى رؤساء أهل الأهواء والبدع والحشوية المتلقبين بالإمامة في دين الله إلا داخلين تحت كل هذا دخولاً أوّلياً ، بل هم أشدّ الشياطين إضلالاً وأقطعهم لطريق الحق ، حيث دوّنوا الضلال تدوينا ولقنوه أشياعهم تلقينا ، وكأنهم ساطوه بلحومهم ودمائهم ، وإياهم عنى من قال :

وَيَا رُبَّ مَقْفُوِّ الْخُطَا بَيْنَ قَوْمِهِ *** طَرِيقُ نَجَاةٍ عِنْدَهُمْ مُسْتَوٍ نَهْجُ

وَلَوْ قَرَؤا في اللَّوْحِ مَا خُطَّ فِيهِ مِنْ*** بَيَانِ اعْوِجَاجٍ في طَرِيقَتِهِ عَجُّوا

اللهم ثبتنا على المعتقد الصحيح الذي رضيته لملائكتك في سمواتك ، وأنبيائك في أرضك ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .