وبعد هذا الافتتاح الذى يغرس الخوف فى النفوس ، ويحملها على تقوى الله وخشيته ، ساقت السورة حال نوع من الناس يجادل بالباطل ، ويتبع خطوات الشيطان ، فقال - تعالى - : { وَمِنَ الناس . . } .
و { مِنَ } فى قوله { وَمِنَ الناس } للتبعيض . وقوله { يُجَادِلُ } من الجدال بمعنى المفاوضة على سبيل المنازعة والمخاصمة والمغالبة ، مأخوذ من جدلت الحبل . أى : أحكمت فتله ، كأن المتجادلين يحاول كل واحد منهما أن يقوى رأيه ، ويضعف رأى صاحبه .
والمراد بالمجادلة فى الله : المجادلة فى ذاته وصفاته وتشريعاته .
وقوله : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حال من الفاعل فى يجادل . وهى حال موضحة لما تشعر به المجادلة هنا من الجهل والعناد .
أى : ومن الناس قوم استولى عليهم الجهل والعناد ، لأنهم يجادلون وينازعون فى ذات الله وصفاته ، وفى وحيه وفى أحكامه بغير مستند من علم عقلى أو نقلى ، وبغير دليل أو ما يشبه الدليل .
وقوله - سبحانه - { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } معطوف على ما قبله . والمريد والمتمرد : البالغ أقصى الغاية فى الشر والفساد ، يقال : مرد فلان على كذا - من باب نصر وظرف - إذا عتا وتجبر واستمر على ذلك .
وأصل المادة للملاسة والتجرد ، ومنه قولهم : شجرة مرداء أى ملساء لا ورق لها . وغلام أمرد . أى : لم ينبت فى ذقنه شعر . . .
أى : يجادل فى ذات الله وصفاته بغير علم يعلمه ، ويتبع فى جداله وتطاوله وعناده ، كل شيطان عاد عن الخير ، متجرد للفساد ، لا يعرف الحق أو الصلاح ، ولا هما يعرفانه ، وإنما هو خالص للشر والغى والمنكر من القول والفعل .
وتقييد الجدال بكونه بغير علم ، يفهم منه أن الجدال بعلم لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، سائغ محمود ، ولذا قال الإمام الفخر الرازى : " هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة ، لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل ، يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة " ، فالمجادلة الباطلة هى المرادة من قوله - تعالى - : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً . . . } والمجادلة الحقة هى المرادة من قوله : { وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ . . }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.