تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

الآية 3 : وقوله تعالى : { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم } ذكر المجادلة في الله ، ولم يبين فيم جادلوا ؟ وقد كانت مجادلتهم من وجوه : منهم من جادل في مشيئة الله ، تبارك وتعالى ومنهم من جادل أن هذا العالم منشأ أو لا ، ومنهم من جادل في وحدانية الله تعالى : واحد أو عدد ، ومنهم من جادل في بعث الأنبياء وإرسال الرسل . ومنهم من جادل في إنزال الكتب ، ومكنهم من جادل في دين الله المدعو إليه .

وبمثل هذا قد كثرت مجادلاتهم في ما ذكرنا . وكل ذلك كان مجادلة بغير علم ، لأنهم لو تفكروا في هذا العلم ، ونظروا فيه حق النظر لعرفوا أن هذا العالم منشئا ، وأنه واحد ، لا عدد ، وأنه عالم قادر بذاته ، وأنه بعث الرسل والكتب ، وعرفوا أيضا أنه يبعث هذا العالم ، ويحييهم ، وأنه قادر على ذلك .

لكنهم [ لم ] {[12892]} يتفكروا فيه ، ولم ينظروا حق النظر ، فجادلوا فيه بغير علم .

وقوله تعالى : { ويتبع كل شيطان مريد } يحتمل أن يكون قوله : { ويتبع كل شيطان مريد } الشيطان المعروف ، يتابعه في كل ما يدعوه . وجائز أن يكون أراد [ أنه ] {[12893]} يتبع كل من يعمل عمل الشيطان ، وهم القادة الذين كانوا يدعون إلى اتباع ما يدعو الشيطان ، ويوحي إليهم [ كقوله ] {[12894]} : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } [ الأنعام : 121 ] أخبر أن الشياطين يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوكم .

فذلك معنى : { ويتبع كل شيطان مريد } قيل : فعيل بمعنى فاعل ما ذكر في آية أخرى { وحفظا من كل شيطان مارد } [ الصافات : 7 ] وقال بعضهم : كل متمرد في العناد والمكابرة فهو مارد . وقال بعضهم : المارد هو المجاوز عن جنسه في عتوه وتمرده ، ولذلك سمي الذي لا لحية له أمرد لخروجه [ ومجاوزته أجناسه من الذكور ] {[12895]} والمارد بالفارسية : سِتْنَبه .


[12892]:ساقطة من الأصل و م.
[12893]:من م، ساقطة من الأصل.
[12894]:ساقطة من الأصل و م.
[12895]:في الأصل و م: ومجاوزة أجناسه ورجاله.