مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ} (3)

المسألة الثانية : قوله تعالى : { في أدنى الأرض } أي أرض العرب ، لأن الألف واللام للتعريف والمعهود عندهم أرضهم .

وقوله تعالى : { وهم من بعد غلبهم } أية فائدة في ذكره مع أن قوله : { سيغلبون } بعد قوله : { غلبت الروم } لا يكون إلا من بعد الغلبة ؟ فنقول الفائدة فيه إظهار القدرة وبيان أن ذلك بأمر الله لأن من غلب بعد غلبه لا يكون إلا ضعيفا ، فلو كان غلبتهم لشوكتهم لكان الواجب أن يغلبوا قبل غلبهم فإذا غلبوا بعدما غلبوا ، دل على أن ذلك بأمر الله ، فذكر من بعد غلبهم ليتفكروا في ضعفهم ويتذكروا أنه ليس بزحفهم ، وإنما ذلك بأمر الله تعالى .

وقوله : { في أدنى الأرض } لبيان شدة ضعفهم ، أي انتهى ضعفهم إلى أن وصل عدوهم إلى طريق الحجاز وكسروهم وهم في بلادهم ثم غلبوا حتى وصلوا إلى المدائن وبنوا هناك الرومية لبيان أن هذه الغلبة العظيمة بعد ذلك الضعف العظيم بإذن الله .