مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (95)

ثم قال تعالى : { قل صدق الله } ويحتمل وجوها أحدها : { قل صدق } في أن ذلك النوع من الطعام صار حراما على إسرائيل وأولاده بعد أن كان حلالا لهم ، فصح القول بالنسخ ، وبطلت شبهة اليهود وثانيها : { صدق الله } في قوله إن لحوم الإبل وألبانها كانت محللة لإبراهيم عليه السلام وإنما حرمت على بني إسرائيل لأن إسرائيل حرمها على نفسه ، فثبت أن محمدا صلى الله عليه وسلم لما أفتى بحل لحوم الإبل وألبانها ، فقد أفتى بملة إبراهيم وثالثها : { صدق الله } في أن سائر الأطعمة كانت محللة لبني إسرائيل وأنها إنما حرمت على اليهود جزاء على قبائح أفعالهم .

ثم قال تعالى : { فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا } أي اتبعوا ما يدعوكم إليه محمد صلوات الله عليه من ملة إبراهيم ، وسواء قال : ملة إبراهيم حنيفا ، أو قال : ملة إبراهيم الحنيف لأن الحال والصفة سواء في المعنى .

ثم قال : { وما كان من المشركين } أي لم يدع مع الله إلها آخر ، ولا عبد سواه ، كما فعله بعضهم من عبادة الشمس والقمر ، أو كما فعله العرب من عبادة الأوثان ، أو كما فعله اليهود من ادعاء أن عزير ابن الله ، وكما فعله النصارى من ادعاء أن المسيح ابن الله ، والغرض منه بيان أن محمدا صلوات الله عليه على دين إبراهيم عليه السلام ، في الفروع والأصول .

أما في الفروع ، فلما ثبت أن الحكم بحله كان إبراهيم قد حكم بحله أيضا ، وأما في الأصول فلأن محمدا صلوات الله وسلامه عليه لا يدعو إلا إلى التوحيد ، والبراءة عن كل معبود سوى الله تعالى وما كان إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه إلا على هذا الدين .