البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (95)

{ قل صدق الله } أمر تعالى نبيه أنْ يصدع بخلافهم ، أي الأمر الصدق هو ما أخبر الله به لا ما افتروه ومن الكذب .

ونبّه بذلك على أنّ ما أخبر به من قوله : { كل الطعام } وسائر ما تقدم صدق ، وأنه ملة إبراهيم .

والأحسنُ أن يكون قوله : « قل صدق الله » أي في جميع ما أخبر به في كتبه المنزلة .

وقيل : في أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو على ملة إبراهيم ، وإبراهيم كان مسلماً .

وقيل في قوله : { كل الطعام } الآية قاله ابن السائب .

وقيل : في أنه ما كان يهودياً ولا نصرانياً قاله : مقاتل وأبو سليمان الدمشقي ، ثم أمرهم باتباع ملة إبراهيم فقال :

{ فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } وهي ملة الإسلام التي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه ، فيخلصون من ملة اليهودية .

وعرض بقوله : « وما كان من المشركين » : إلى أنهم مشركون في اتخاذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله .

وتقدّم الكلام على نظير هذه الجملة في سورة البقرة تفسيراً وإعراباً فأغنى عن إعادته .

وقرأ أبان بن ثعلب قل صدق : بإدغام اللام في الصاد ، و { قل سيروا } بإدغام اللام في السين .

وأدغم حمزة والكسائي وهشام { بل سولت } قال ابنُ جني : علة ذلك فشوُّ هذين الحرفين في الفم وانتشار الصوت المثبت عنهما ، فقاربتا بذلك مخرج اللام ، فجاز إدغامها فيهما انتهى .

وهو راجع لمعنى كلام سيبويه ، قال سيبويه : والإدغامُ يعني إدغام اللام مع الطاء والصاد وأخواتهما جائز ، وليس ككثرته مع الراء ، لأن هذه الحروف تراخين عنها وهي من الثنايا .

قال : وجواز الإدغام لأنّ آخر مخرج اللام قريب من مخرجها انتهى كلامه .