نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (95)

ولما اتضح كذبهم وافتضح تدليسهم{[18316]} - لأنه لما استدل عليهم بكتابهم فلم يأتوا به صار ظاهراً كالشمس ، لا شك فيه ولا لبس ، ولم يزدهم ذلك إلا تمادياً في الكذب - أمر سبحانه وتعالى نبيه{[18317]} صلى الله عليه وسلم بقوله : { قل } أي لأهل الكتاب الذي أنكروا النسخ فأقمت عليهم الحجة من كتابهم { صدق الله } أي الملك الأعظم الذي له الكمال كله في جميع ما أخبر ، وتخبر{[18318]} به عن ملة إبراهيم وغيره من بنيه أسلافكم ، وتبين أنه ليس على دينكم هو ولا أحد ممن{[18319]} قبل موسى عليه الصلاة والسلام ، لأنكم لو كنتم صادقين لأتيتم بالتوراة ، نافياً بذلك أن يكون تأخرهم عن الإتيان بها لعلة يعتلون{[18320]} بها غير ذلك ، وإذ قد تبين صدقه تعالى في جميع ما قال وجب اتباعه في كل ما يأمر به ، وأعظمه ملة إبراهيم فإنها الجامعة للمحاسن .

ولما ثبت ذلك بهذا الدليل المحكم لزم قطعاً أنه ما كان يهودياً ولا نصرانياً ولا مشركاً ، وقد أقروا بأن ملته هي الحق وأنهم أتباعه ، فتسبب عن ذلك وجوب اتباعه فيما أخبر الله سبحانه وتعالى به فبان كالشمس صدقه ، لا{[18321]} فيما افتروه هم من الكذب ، فقال سبحانه وتعالى : { فاتبعوا ملة إبراهيم } وهي الإسلام أي الانقياد للدليل{[18322]} ، وهو معنى قوله : { حنيفاً } أي تابعاً للحجة إذا تحررت ، غير متقيد بمألوف . ولما كان صلى الله عليه وسلم مفطوراً . على الإسلام فلم يكن في جبلته شيء من العوج{[18323]} فلم يكن له دين غير الإسلام نفى الكون فقال : { وما كان من المشركين } أي بعزير{[18324]} ولا غيره من الأكابر كالأحبار الذين تقلدونهم{[18325]} مع علمكم بأنهم يدعون إلى ضد ما دعا إليه سبحانه وتعالى .


[18316]:في ظ: تدلسهم.
[18317]:في ظ: بينه.
[18318]:من ظ ومد، وفي الأصل: يخبر.
[18319]:في ظ: من.
[18320]:في ظ: يقبلون.
[18321]:زيد من ظ ومد.
[18322]:من ظ و مد، وفي الأصل: إلى الدليل.
[18323]:من مد، وفي الأصل: الفرج، وفي ظ: القدح.
[18324]:في ظ: بعزيز.
[18325]:في ظ: تقلدوهم.