الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ} (3)

قوله : { فِي أَدْنَى الأَرْضِ } : زعم بعضُهم أنَّ أل عِوَضٌ من الضميرِ ، وأنَّ الأصلَ " في أَدْنى أَرْضِهم " وهو قولٌ كوفيٌّ . وهذا على قولِ : إن الهَرَب كان مِنْ جهة بلادِهم . وأمَّا مَنْ يقول : إنه من جهةِ بلادِ العَرَبِ فلا يَتَأَتَّى ذلك . وقرأ العامَّةُ " غُلِبَتْ " مبنياً للمفعول . وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخُدْري وابن عمر وأهل الشام ببنائِه للفاعلِ .

قوله : " غَلَبِهم " على القراءةِ الشهيرةِ يكون المصدرُ مضافاً لمفعولِه . ثم هذا المفعولُ : إمَّا أَنْ يكونَ مرفوعَ المحلِّ على أن المصدرَ المضافَ إليه مأخوذٌ مِنْ مبنيّ للمفعولِ على خلافٍ في ذلك ، وإمَّا منصوبَ المحلِّ على أنَّ المصدرَ مِنْ مبني للفاعل ، والفاعلُ محذوفٌ تقديره : مِن بعد أَنْ غَلَبَهم عدوُّهم ، وهم فارس . وأمَّا على القراءةِ الثانيةِ فهو مضافٌ لفاعلِه .

قوله : " سَيَغْلِبون " خبرُ المبتدأ . و { مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ } متعلقٌ به . والعامَّةُ - بل نقل بعضُهم الإِجماعَ - على " سَيَغْلِبون " مبنياً للفاعل . فعلى الشهيرةِ واضحٌ أي : مِنْ بعدِ أن غَلَبَتْهُمْ فارسُ سيَغْلِبون فارسَ . وأمَّا على القراءةِ الثانيةِ فأخبرَ أنهم سيَغْلبون ثانياً بعد أن غَلَبوا أولاً . ورُوِي عن ابنِ عمرَ أنه قرأ ببنائه للمفعول . وهذا مخالِف لِما وَرَدَ في سبب الآية وما وَرَدَ في الأحاديث . وقد يُلائم هذا بعضَ ملاءَمَةٍ مَنْ قرأ " غَلَبَتْ " مبنياً للفاعلِ . وقد تقدَّم أن ابن عمرَ ممَّن يقرأُ بذلك . وقد خَرَّج النحاسُ قراءةَ عبدِ الله بن عمرَ على تخريجٍ حَسَنٍ ، وهو أن المعنى : وفارسُ مِنْ بعدِ غَلَبِهم للرومِ سيُغْلَبون . إلاَّ أنَّ فيه إضمارَ ما لم يُذْكَرْ ، ولا جَرى سببُ ذِكْرِه .