اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ} (3)

قوله : { في أدنى الأرض } زعم بعضهم أن «أل » عوض من الضمير ، وأن الأصل { فِي أَدْنَى أرْضهم } وهو قول كُوفي ، وهذا على قول إن الهرب كان من جهة بلادهم ، وأما من يقول : إنه من جهة بلاد العرب فلا يتأتى ذلك . وقرأ العامة «غُلِبَتْ » مبنياً للمفعول ، وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخُدْري وابن عمر وأهل الشام ببنائه للفاعل{[41780]} .

قوله : { وهم من بعد غلبهم } أي الروم من بعد غلب فارس إِيَّاهم . والغَلَبُ . والغَلَبَةُ «لُغَتَانِ » فعلى القراءة الشهيرة يكون المصدر مضافاً لمفعوله . ثم هذا المفعول إما أن يكون مرفوع المحل على أن المصدر المضاف إليه مأخذ من مبني ( للمفعول{[41781]} ) على خلاف في ذلك . وإما منصوب المحل على أن المصدر من مبني للفاعل ، والفاعل محذوف تقديره : من بعد أن غلبهم عدوهم وهم فارس{[41782]} ، وأما على القراءة الثانية فهو مضاف لفاعله .

قوله : «سَيَغْلِبُونَ » خبر المبتدأ ، و { مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ } متعلق به ، والعامة - بل نقل بعضهم الإجماع{[41783]} - على سيغلبون مبنياً للفاعل ، فعلى الشهيرة واضح أي من بعد أن غلبتهم فارس سيغلبون فارس ، وأما على القراءة الثانية فأخبر أنهم سيغلبون ثانياً بعد أن غلبوا{[41784]} أولاً ، وروي عن ابن عمر أنه قرأ ببنائه للمفعول{[41785]} . وهذا مخالف لما ورد في سبب الآية ، وما ورد في الأحاديث ، وقد يلائم هذا بعض ملاءمة من قرأ «غَلَبَتْ » مبنياً للفاعل ، وقد تقدم أن ابن عمر ممن قرأ ( بذلك{[41786]} ) . وقد خرج النحاس{[41787]} قراءة عبد الله بن عُمَر على تخريج حسنٍ ، وهو أن المعنى : وفارس من بعد غلبهم للروم{[41788]} سيغلبون إلا أن فيه إضمار ما لم يذكر ولا جرى سبب ذكره{[41789]} .


[41780]:انظر: مختصر ابن خالويه 116، ومعاني القرآن للفراء 2/319. ولم يروها الفراء عن غيره، وانظر: البحر المحيط 7/161، والقرطبي 14/4. وقد نسب الزجاج هذه القراءة أيضاً إلى أبي عمرو وانظر: معاني الزجاج 4/175 بينما اقتصر الزمخشري في الكشاف على القراءة المشهورة 3/241، وكذلك غير المشهورة بدون ذكر نسبة.
[41781]:سقطت من "ب".
[41782]:قال أبو إسحاق الزجاج في كتابه إعراب القرآن ومعانيه: "الغلب والطلب مصدران تقول: غلبت غلباً وطلبت طلباً". انظر: معاني الزجاج 4/177 وانظر: الكشاف 3/214، والدر المصون 4/312 والتبيان 1036.
[41783]:هو ابن عطية قال: "وأجمع الناس على "سيغلبون" أنه بفتح الياء يراد به الروم" انظر: المحرر الوجيز "ميكروفيلم".
[41784]:في "ب" تغلبوا.
[41785]:انظر: مختصر ابن خالويه 116، وإعراب القرآن المنسوب للزجاج 2/461، والدر المصون 4/313، والقرطبي 14/5، وإعراب القرآن للنحاس 3/261 لكنه قال: "ستغلبون" بالبناء للمجهول من ناحية الخطاب.
[41786]:ساقط من "ب".
[41787]:النحاس: هو أبو جعفر أحمد بن محمد المصري، تلقى مبادئ اللغة بمصر ثم ارتحل إلى العراق فتلقى عن الأخفش، والزجاج وابن الأنباري كان قويَّ الذاكرة جيد التصنيف، مات مقتولاً سنة 337 هـ. انظر: نشأة النحو 157.
[41788]:لم أجد في كتاب أبي جعفر النحاس هذا التأويل والتخريج ولعل هذا راجع إلى اختلاف نسخ الكتاب وقد ذكر هذه القراءة الواردة عن ابن عمر.
[41789]:انظر: إعراب القرآن المسمى "الدر المصون" في علوم الكتاب المكنون" للسمين 4/313.