فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ} (3)

ومعنى { فِي أَدْنَى الأرض } في أقرب أرضهم من أرض العرب ، أو في أقرب أرض العرب منهم . قيل : هي أرض الجزيرة . وقيل : أذرعات . وقيل : كسكر : وقيل : الأدرن . وقيل : فلسطين ، وهذه المواضع هي أقرب إلى بلاد العرب من غيرها ، وإنما حملت الأرض على أرض العرب لأنها المعهود في ألسنتهم إذا أطلقوا الأرض أرادوا بها جزيرة العرب . وقيل : إن الألف واللام عوض عن المضاف إليه . والتقدير : في أدنى أرضهم فيعود الضمير إلى الروم ، ويكون المعنى : في أقرب أرض الروم من العرب . قال ابن عطية : إن كانت الوقعة بأذرعات ، فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة ، وإن كانت الوقعة بالجزيرة ، فهي أدنى بالقياس إلى أرض كسرى ، وإن كانت بالأردن ، فهي أدنى إلى أرض الروم { وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } أي والروم من بعد غلب فارس إياهم سيغلبون أهل فارس ، والغلب والغلبة لغتان ، والمصدر مضاف إلى المفعول على قراءة الجمهور ، وإلى الفاعل على قراءة غيرهم . قرأ الجمهور { سيغلبون } مبنياً للفاعل ، وقرأ علي وأبو سعيد ومعاوية بن قرّة وابن عمر ، وأهل الشام على البناء للمفعول ، وسيأتي في آخر البحث ما يقوّي قراءة الجمهور في الموضعين . وقرأ أبو حيوة الشامي وابن السميفع : { من بعد غلبهم } بسكون اللام .

/خ10