مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ تَوۡصِيَةٗ وَلَآ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ يَرۡجِعُونَ} (50)

ثم بين شدة الأخذ وهي بحيث لا تمهلهم إلى أن يوصوا . وفيه أمور مبينة للشدة أحدها : عدم الاستطاعة فإن قول القائل فلأن في هذا الحال لا يوصي دون قوله لا يستطيع التوصية لأن من لا يوصي قد يستطيعها الثاني : التوصية وهي بالقول والقول يوجد أسرع مما يوجد الفعل فقال : لا يستطيعون كلمة فكيف فعلا يحتاج إلى زمان طويل من أداء بالواجبات ورد المظالم الثالث : اختيار التوصية من بين سائر الكلمات يدل على أنه لا قدرة له على أهم الكلمات فإن وقت الموت الحاجة إلى التوصية أمس الرابع : التنكير في التوصية للتعميم أي لا يقدر على توصية ما ولو كانت بكلمة يسيرة ، ولأن التوصية قد تحصل بالإشارة فالعاجز عنها عاجز عن غيرها الخامس : قوله : { ولا إلى أهلهم يرجعون } بيان لشدة الحاجة إلى التوصية لأن من يرجو الوصول إلى أهله قد يمسك عن الوصية لعدم الحاجة إليها ، وأما من يقطع بأنه لا وصول له إلى أهله فلا بد له من التوصية ، فإذا لم يستطع مع الحاجة دل على غاية الشدة .

وفي قوله : { ولا إلى أهلهم يرجعون } وجهان أحدهما : ما ذكرنا أنهم يقطعون بأنهم لا يمهلون إلى أن يجتمعوا بأهاليهم وذلك يوجب الحاجة إلى التوصية وثانيهما : أنهم إلى أهلهم لا يرجعون ، يعني يموتون ولا رجوع لهم إلى الدنيا ، ومن يسافر سفرا ويعلم أنه لا رجوع له من ذلك السفر ولا اجتماع له بأهله مرة أخرى يأتي بالوصية .