مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗا وَلَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (54)

ثم بين ما يكون في ذلك اليوم بقوله تعالى : { فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون }

فقوله : { لا تظلم نفس } ليأمن المؤمن { ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } لييأس المجرم الكافر وفيه مسائل :

المسألة الأولى : ما الفائدة في الخطاب عند الإشارة إلى يأس المجرم بقوله : { ولا تجزون } وترك الخطاب في الإشارة إلى أمان المؤمن من العذاب بقوله : { لا تظلم } ولم يقل ولا تظلمون أيها المؤمنون ؟ نقول لأن قوله : { لا تظلم نفس شيئا } يفيد العموم وهو كذلك فإنها لا تظلم أبدا { ولا تجزون } مختص بالكافر ، فإن الله يجزي المؤمن وإن لم يفعل فإن الله فضلا مختصا بالمؤمن وعدلا عاما ، وفيه بشارة .

المسألة الثانية : ما المقتضى لذكر فاء التعقيب ؟ نقول لما قال : { محضرون } [ يس : 53 ] مجموعون والجمع للفصل والحساب ، فكأنه تعالى قال إذا جمعوا لم يجمعوا إلا للفصل بالعدل ، فلا ظلم عند الجمع للعدل ، فصار عدم الظلم مترتبا على الإحضار للعدل ، ولهذا يقول القائل للوالي أو للقاضي : جلست للعدل فلا تظلم ، أي ذلك يقتضي هذا ويستعقبه .

المسألة الثالثة : لا يجزون عين ما كانوا يعملون ، بل يجزون بما كانوا أو على ما كانوا وقوله : { ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } يدل على أن الجزاء بعين العمل ، لا يقال جزى يتعدى بنفسه وبالباء ، يقال جزيته خيرا وجزيته بخير ، لأن ذلك ليس من هذا لأنك إذا قلت جزيته بخير لا يكون الخير مفعولك ، بل تكون الباء للمقابلة والسببية كأنك تقول جزيته جزاء بسبب ما فعل ، فنقول الجواب عنه من وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك إشارة على وجه المبالغة إلى عدم الزيادة وذلك لأن الشيء لا يزيد على عينه ، فنقول قوله تعالى : يجزون بما كانوا يعملون في المساواة كأنه عين ما علموا يقال فلان يجاوبني حرفا بحرف أي لا يترك شيئا ، وهذا يوجب اليأس العظيم الثاني : هو أن ما غير راجع إلى الخصوص ، وإنما هي للجنس تقديره ولا تجزون إلا جنس العمل أي إن كان حسنة فحسنة ، وإن كانت سيئة فسيئة فتجزون ما تعملون من السيئة والحسنة ، وهذا كقوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } .