ثم بين ما بعد بالصيحة الأولى فقال : { ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } أي نفخ فيه ( مرة ) أخرى كما قال تعالى : { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال تعالى في موضع آخر : { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } وقال ههنا : { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } والقيام غير النسلان وقوله في الموضعين : { فإذا هم } يقتضي أن يكون معا نقول الجواب : عنه من وجهين أحدهما : أن القيام لا ينافي المشي السريع لأن الماشي قائم ولا ينافي النظر وثانيهما : أن السرعة مجيء الأمور كأن الكل في زمان واحد كقول القائل :
مكر مفر مقبل مدبر معا *** [ كجلمود صخر حطه السيل من عل ]
المسألة الثانية : كيف صارت النفختان مؤثرتين في أمرين متضادين الأحياء والإماتة ؟ نقول لا مؤثر غير الله والنفخ علامة ، ثم إن الصوت الهائل يزلزل الأجسام فعند الحياة كانت أجزاء الحي مجتمعة فزلزلها فحصل فيها تفريق ، وحالة الموت كانت الأجزاء متفرقة فزلزلها فحصل فيها اجتماع فالحاصل أن النفختين يؤثران تزلزلا وانتقالا للأجرام فعند الاجتماع تتفرق وعند الافتراق تجتمع .
المسألة الثالثة : ما التحقيق في إذا التي للمفاجأة ؟ نقول هي إذا التي للظرف معناه نفخ في الصور فإذا نفخ فيه هم ينسلون لكن الشيء قد يكون ظرفا للشيء معلوما كونه ظرفا ، فعند الكلام يعلم كونه ظرفا وعند المشاهدة لا يتجدد علم كقول القائل إذا طلعت الشمس أضاء الجو وغير ذلك ، فإذا رأى إضاءة الجو عند الطلوع لم يتجدد علم زائد ، وأما إذا قلت خرجت فإذا أسد بالباب كان ذلك الوقت ظرف كون الأسد بالباب . لكنه لم يكن معلوما فإذا رآه علمه فحصل العلم بكونه ظرفا له مفاجأة عند الإحساس فقيل إذا للمفاجأة .
المسألة الرابعة : أين يكون في ذلك الوقت أجداث وقد زلزلت الصيحة الجبال ؟ نقول يجمع الله أجزاء كل واحد في الموضع الذي قبر فيه فيخرج من ذلك الموضع وهو جدثه .
المسألة الخامسة : الموضع موضع ذكر الهيبة وتقدم ذكر الكافر ولفظ الرب يدل على الرحمة فلو قال بدل الرب المضاف إليهم لفظا دالا على الهيبة هل يكون أليق أم لا ؟ قلنا : هذا اللفظ أحسن ما يكون ، لأن من أساء واضطر إلى التوجه من أحسن إليه يكون ذلك أشد ألما وأكثر ندما من غيره .
المسألة السادسة : المسيء إذا توجه إلى المحسن يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، والنسلان هو سرعة المشي فكيف يوجد منهم ذلك ؟ نقول : ينسلون من غير اختيارهم ، وقد ذكرنا في تفسير قوله : { فإذا هم ينظرون } أنه أراد أن يبين كمال قدرته ونفوذ إرادته حيث ينفخ في الصور ، فيكون في وقته جمع وتركيب وإحياء وقيام وعدو في زمان واحد ، فقوله : { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } يعني في زمان واحد ينتهون إلى هذه الدرجة وهي النسلان الذي لا يكون إلا بعد مراتب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.