مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَتَدۡعُونَ بَعۡلٗا وَتَذَرُونَ أَحۡسَنَ ٱلۡخَٰلِقِينَ} (125)

واعلم أنه لما خوفهم أولا على سبيل الإجمال ذكر ما هو السبب لذلك الخوف فقال : { أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين } وفيه أبحاث :

الأول : في ( بعل ) قولان أحدهما : أنه اسم علم لصنم كان لهم كمناة وهبل ، وقيل كان من ذهب ، وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة أوجه ، وفتنوا به وعظموه ، حتى عينوا له أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء ، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة ، والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشأم ، وبه سميت مدينتهم بعلبك . واعلم أن قولهم بعل اسم لصنم من أصنامهم لا بأس به ، وأما قولهم إن الشيطان كان يدخل في جوف بعلبك ويتكلم بشريعة الضلالة . فهذا مشكل لأنا إن جوزنا هذا كان ذلك قادحا في كثير من المعجزات ، لأنه نقل في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كلام الذئب معه وكلام الجمل معه وحنين الجذع ، ولو جوزنا أن يدخل الشيطان في جوف جسم ويتكلم . فحينئذ يكون هذا الاحتمال قائما في الذئب والجمل والجذع ، وذلك يقدح في كون هذه الأشياء معجزات القول الثاني : أن البعل هو الرب بلغة اليمن ، يقال من بعل هذه الدار ، أي من ربها ، وسمي الزوج بعلا لهذا المعنى ، قال تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن } وقال تعالى : { وهذا بعلي شيخا } فعلى هذا التقدير المعنى ، أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة الله .

البحث الثاني : المعتزلة احتجوا بهذه الآية على كون العبد خالقا لأفعال نفسه ، فقالوا : لو لم يكن غير الله خالقا لما جاز وصف الله بأنه أحسن الخالقين ، والكلام فيه قد تقدم في قوله تعالى :

{ فتبارك الله أحسن الخالقين } .

البحث الثالث : كان الملقب بالرشيد الكاتب يقول لو قيل : أتدعون بعلا وتدعون أحسن الخالقين . أوهم أنه أحسن ، لأنه كان قد تحصل فيه رعاية معنى التحسين وجوابه : أن فصاحة القرآن ليست لأجل رعاية هذه التكاليف ، بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ .