مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَعَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا سَٰحِرٞ كَذَّابٌ} (4)

قوله تعالى : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ، أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق }

اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار كونهم في عزة وشقاق أردفه بشرح كلماتهم الفاسدة فقال : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم } في قوله : { منهم } وجهان الأول : أنهم قالوا : إن محمدا مساو لنا في الخلفة الظاهرة والأخلاق الباطنة والنسب والشكل والصورة ، فكيف يعقل أن يختص من بيننا بهذا المنصب العالي والدرجات الرفيعة والثاني : أن الغرض من هذه الكلمة التنبيه على كمال جهالتهم ، وذلك لأنه جاءهم رجل يدعوهم إلى التوحيد وتعظيم الملائكة والترغيب في الآخرة ، والتنفير عن الدنيا ، ثم إن هذا الرجل من أقاربهم يعلمون أنه كان بعيدا من الكذب والتهمة ؛ وكل ذلك مما يوجب الاعتراف بتصديقه ، ثم إن هؤلاء الأقوام لحماقتهم يتعجبون من قوله ، ونظيره قوله : { أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون } فقال : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم } ومعناه أن محمدا كان من رهطهم وعشيرتهم وكان مساويا لهم في الأسباب الدنيوية فاستنكفوا من الدخول تحت طاعته ومن الانقياد لتكاليفه ، وعجبوا أن يختص هو من بينهم برسالة الله وأن يتميز عنهم بهذه الخاصية الشريفة ، وبالجملة فما كان لهذا التعجب سبب إلا الحسد .

ثم قال تعالى : { وقال الكافرون هذا ساحر كذاب } وإنما لم يقل وقالوا بل قال : { وقال الكافرون } إظهارا للتعجب ودلالة على أن هذا القول لا يصدر إلا عن الكفر التام ، فإن الساحر هو الذي يمنع من طاعة الله ويدعو إلى طاعة الشيطان وهو عندكم بالعكس من ذلك والكذاب هو الذي يخبر عن الشيء لا على ما هو عليه وهو يخبر عن وجود الصانع القديم الحكيم العليم وعن الحشر والنشر وسائر الأشياء التي تثبت بدلائل العقول صحتها فكيف يكون كذابا ، ثم إنه تعالى حكى جميع ما عولوا عليه في إثبات كونه كاذبا وهي ثلاثة أشياء أحدها : ما يتعلق بالإلهيات