تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَعَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا سَٰحِرٞ كَذَّابٌ} (4)

قوله تعالى : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم } ، يحتمل هذا وجهين : أحدهما : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم } أي من بشر مثلهم كقولهم : { هل هذا إلا بشر مثلكم } [ الأنبياء : 3 ] وقولهم : { يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون } [ المؤمنون : 33 ] وقولهم : { أبعث الله بشرا رسولا }[ الإسراء : 94 ] كانوا ينكرون الرسالة في البشر ، ويقولون : { لولا أنزل علينا الملائكة } [ الفرقان : 21 ] .

والثاني : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم } أي من دونهم في أمر الدنيا لما رأوا أنفسهم قد ضلوا في أمر الدنيا دونه . وقالوا : { أأنزل عليه الذكر من بيننا } [ ص : 8 ]{ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ]لم يروا من دونهم في أمر الدنيا على ما ذكر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وقال الكافرون هذا ساحر كذاب } دل هذا القول منهم أنه كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم آية معجزة أتى بها حتى قالوا : ساحر كذاب . علموا أنه رسول الله لكنهم عاندوا ، وأرادوا بقولهم : ساحر كذاب أن يغروا أتباعهم عليه كما أغرى فرعون قومه على موسى عليه السلام حين قال : { يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } [ الشعراء : 35 ] وهو عليه السلام لم يرد أن يخرجهم من أرضهم ، إنما يريد الإسلام منهم .

فعلى ذلك هؤلاء الرؤساء عرفوا أنه ليس بساحر ، ولكنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أرادوا أن يغروا قومهم وأتباعهم عليه ، وألبسوا أمره عليهم لئلا يتبعوه .