مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

ثم بين تعالى أن هؤلاء المكذبين وإن تأخر هلاكهم فكأنه واقع بهم فقال : { وما ينظر هؤلآء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق } وفي تفسير هذه الصيحة قولان الأول : أن يكون المراد عذابا يفجؤهم ويجيئهم دفعة واحدة ، كما يقال صاح الزمان بهم إذا هلكوا قال الشاعر :

صاح الزمان بآل برمك صيحة *** خروا لشدتها على الأذقان

ويشبه أن يكون أصل ذلك من الغارة إذا عافصت القوم فوقعت الصيحة فيهم ، ونظيره قوله تعالى : { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } الآية والقول الثاني : أن هذه الصيحة هي صيحة النفخة الأولى في الصور ، كما قال تعالى في سورة يس : { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون } والمعنى أنهم وإن لم يذوقوا عذابي في الدنيا فهو معد لهم يوم القيامة ، فكأنهم بذلك العذاب وقد جاءهم فجعلهم منتظرين لها على معنى قربها منهم ، كالرجل الذي ينتظر الشيء فهو ماد الطرف إليه يطمع كل ساعة في حضوره ، ثم إنه سبحانه وصف هذه الصيحة فقال : { ما لها من فواق } قرأ حمزة والكسائي { فواق } بضم الفاء ، والباقون بفتحها ، قال الكسائي والفراء وأبو عبيدة والأخفش : هما لغتان من فواق الناقة . وهو ما بين حلبتي الناقة وأصله من الرجوع ، يقال أفاق من مرضه ، أي رجع إلى الصحة ، فالزمان الحاصل بين الحلبتين لعود اللبن إلى الضرع يسمى فواقا بالفتح وبالضم ، كقولك قصاص الشعر وقصاصه ، قال الواحدي : والفواق والفواق إسمان من الأفاقة ، والأفاقة معناها الرجوع والسكون كأفاقة المريض ، إلا أن الفواق بالفتح يجوز أن يقام مقام المصدر ، والفواق بالضم اسم لذلك الزمان الذي يعود فيه اللبن إلى الضرع ، وروى الواحدي في البسيط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية : «يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الفزع ، قال فيمدها ويطولها » وهي التي يقول : { ما لها من فواق } ثم قال الواحدي : وهذا يحتمل معنيين أحدهما : ما لها سكون والثاني : ما لها رجوع ، والمعنى ما تسكن تلك الصيحة ولا ترجع إلى السكون ، ويقال لكل من بقي على حالة واحدة ، إنه لا يفيق منه ولا يستفيق ، والله أعلم .