مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

ثم إنه تعالى حكى جميع ما عولوا عليه في إثبات كونه كاذبا وهي ثلاثة أشياء أحدها : ما يتعلق بالإلهيات وثانيها : ما يتعلق بالنبوات وثالثها : ما يتعلق بالمعاد ، أما الشبهة المتعلقة بالإلهيات فهي قولهم : { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } روي أنه لما أسلم عمر فرح به المسلمون فرحا شديدا وشق ذلك على قريش فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء يعنون المسلمين فجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك ، فقال صلى الله عليه وسلم ماذا يسألونني ، قالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال صلى الله عليه وسلم : أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أتعطوني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم العجم ؟ قالوا نعم ، قال تقولوا لا إله إلا الله ، فقاموا وقالوا : { أجعل الآلهة إلها واحدا وأن هذا لشيء عجاب } أي بليغ في التعجب وأقول منشأ التعجب من وجهين الأول : هو أن القوم ما كانوا من أصحاب النظر والاستدلال بل كانت أوهامهم تابعة للمحسوسات فلما وجدوا في الشاهد أن الفاعل الواحد لا تفي قدرته وعمله بحفظ الخلق العظيم قاسوا الغائب على الشاهد ، فقالوا : لا بد في حفظ هذا العالم الكثير من آلهة كثيرة يتكفل كل واحد منهم بحفظ نوع آخر الوجه الثاني : أن أسلافهم لكثرتهم وقوة عقولهم كانوا مطبقين على الشرك ، فقالوا من العجب العجيب أن يكون أولئك الأقوام على كثرتهم وقوة عقولهم كانوا جاهلين مبطلين ، وهذا الإنسان الواحد يكون محقا صادقا ، وأقول لعمري لو سلمنا إجراء حكم الشاهد على الغائب من غير دليل وحجة ، لكانت الشبهة الأولى لازمة ، ولما توافقنا على فسادها علمنا أن إجراء حكم الشاهد على الغائب فاسد قطعا ، وإذا بطلت هذه القاعدة فقد بطل أصل كلام المشبهة في الذات وكلام المشبهة في الأفعال ، أما المشبهة في الذات فهو أنهم يقولون لما كان كل موجود في الشاهد يجب أن يكون جسما ومختصا بحيز وجب في الغائب أن يكون كذلك ، وأما المشبهة في الأفعال فهم المعتزلة الذين يقولون إن الأمر الفلاني قبيح منا ، فوجب أن يكون قبيحا من الله ، فثبت بما ذكرنا أنه إن صح كلام هؤلاء المشبهة في الذات وفي الأفعال لزم القطع بصحة شبهة هؤلاء المشركين ، وحيث توافقنا على فسادها علمنا أن عمدة كلام المجسمة وكلام المعتزلة باطل فاسد . وأما الشبهة الثانية فلعمري لو كان التقليد حقا لكانت هذه الشبهة لازمة وحيث كانت فاسدة علمنا أن التقليد باطل بقي ههنا أبحاث :

البحث الأولى : أن العجاب هو العجيب إلا أنه أبلغ من العجيب كقولهم طويل وطوال وعريض وعراض وكبير وكبار وقد يشدد للمبالغة كقوله تعالى : { ومكروا مكرا كبارا } .

الثاني : قال صاحب «الكشاف » قرئ عجاب بالتخفيف والتشديد فقال والتشديد أبلغ من التخفيف كقوله تعالى : { مكرا كبارا } .